المقال الذي أثار هزة كبيرة في الخليج: “تصنيم” ابن تيمية. بقلم علي أبو الريش
نشرت بواسطة: التقدمية
21 يونيو 2015
2 تعليقات
4,612 زيارة
يبدو أن الارتداد الثقافي آفة الذين أبوا إلا أن يكونوا عبدة أصنام رغم كل الإزاحات التي قدمها الدين الحنيف، ورغم الأمثلة النموذجية التي قدمها الصحابة والأولياء الصالحون، في نبذ الصنمية، وإعلاء قيمة “لا إله إلا الواحد الأحد”.
فها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، دعا قومه قائلاً: “من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقوّمه”، وهذا عمر، الذي فرق بين الحق والباطل، والذي قال “والله لو عثرت ناقة في العراق فأنا مسؤول عنها يوم القيامة”.. ثم يأتينا بعد ذلك، وبعد زمان من الحرمان الديني الحقيقي، من يؤلهون الأفراد ويصنّمون الأشخاص، دون أن يدور في خلدهم أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يخطئوا، والرسول الكريم قال: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”…
هؤلاء البشر أغلقوا باب الأسئلة ودخلوا في غرف سوداء داكنة، ليس فيها هواء ولا نقاء، وتجاوزوا حدّ الانغلاق، إلى أن نسوا سؤال نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام الذي قال “… رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي”.
ولو تفكر الصنميون بهذه الآية لعرفوا أن الخالق عزّ وجلّ فتح باب الأسئلة للإنسانية، كي يستدلّ الإنسان على طريق الخير، فقال “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”، هذه الأسئلة التي يخافها الصنميون والتي يختبئون عنها بعيداً، متخفين وراء حجج الفقيه الذي لا يضاهى ولا يبارى، لأنهم لا يريدون أن يكشفوا عورات الإنسانية عندما تغطّ في سبات الأنانية والجهل.
هؤلاء أنفسهم الذين نصبوا للعالم والفقيه ابن تيمية صنماً ووقفوا أمامه أو ربما جثوا على ركبهم، معتبرين ذلك شيئاً من الإيمان، وهو ليس كذلك، وربما لو عاد ابن تيمية إلى الحياة لاقشعرّ بدنه مما يسلكه الجاهليون الآن! ابن تيمية رجل مجتهد، ويعرف يقيناً أنه قد يصيب وقد يخطئ، وما معركته الفكرية مع جابر بن حيان إلا شيء من هذا القبيل، وعلينا ألا نأخذ النص من ظاهره، إذا أردنا أن نلامس الحقيقة، والذين أحرقوا كتب ابن رشد وسجنوه ونفوه ليسوا أقل فقاهة من ابن تيمية، لكنهم فعلوا ذلك، حتى جاء الأحفاد فاعترفوا لابن رشد بريادته الفلسفية التي وصفها شاعر إيطاليا العظيم دانتي موضع الحاجب من العين، حينما وصفه بالعالم العظيم، إذا حتى يتخلص عقل الصنميين من مأزق الانغلاق، لابدّ لهم من أن يلتفتوا إلى المراجع الدينية التي تعرف معنى الاختلاف في الرأي، فهذا أبو حامد الغزالي وصف في كتابه “تهافت الفلاسفة” ابن رشد بالفيلسوف الذي خرج من عباءة الدين، على الرغم من الخلاف الحادّ بين الفيلسوفين! إلا أن هذا الخلاف لم يخرج عن نطاق الأدب ولم يقبل أبداً التجمد عند نقطة الصنمية.
وفي الإمارات بالذات، فإن المشاريع الثقافية الكبرى، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، ومشروع كلمة، قد أفرزت مناخاً اعشوشبت له أرض الثقافة، وأزهر الفكر، وأورقت أشجار الوجدان، وصارت المنطقة العقلية مفتوحة التضاريس على العالم أجمع، ما يجعل الحوار مع الصنميين أمراً شبه مستحيل لأنه لا رابط أبداً ما بين الحقيقة والوهم، ولا ما بين النور والظلام. والإمارات ماضية في دروب الأنوار والتنوير، ذاهبة إلى قرص الشمس، كي تصنع من خيوطها الذهبية قماشة الوجدان الإنساني الشفافة، ذاهبة إلى زرقة الماء كي تعانق رفرفة زعانف الفرح، وشكراً لكل المخلصين الذين يحرقون شموع أعمارهم ليضيئوا لنا الطريق.
المصدر
http://24.ae/author/139/%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%B4.aspx
2015-06-21
عن التقدمية
مقالات مشابهة
2 تعليقات
اضف رد إلغاء الرد
“فهذا أبو حامد الغزالي وصف في كتابه “تهافت الفلاسفة” ابن رشد بالفيلسوف الذي خرج من عباءة الدين، على الرغم من الخلاف الحادّ بين الفيلسوفين” : لا أفهم الكاتب هنا !! الغزالي توفي قبل 15 سنة من ميلاد ابن رشد.
لم يعش أبو الوليد ابن رشد، في زمن أبي حامد الغزالي، ولم يتجادل معه. كل ما في الأمر انه في كتابه الأشهر تهافت التهافت رد مباشرة على كتاب الغزالي تهافت الفلاسفة، وعلى الارجح بعد نحو ثلاثة أرباع القرن من ظهور هذا الكتاب الأخير الذي كان ولا يزال يعتبر أكبر هجوم شنه على الكلام على الفكر العقلاني الفلسفي في تاريخ الحضارة الإسلامية. والحال ان كتاب الغزالي كان من الشهرة والحضور والتأثير في البيئة الفكرية الإسلامية، حيث ان الأمر استدعى من ابن رشد ذلك الرد العنيف والدقيق الذي أورده في تهافت التهافت.