استمرار صعود اليورو أمام الدينار الجزائري: الأسباب والتداعيات

يلاحظ المراقبون تواصل ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدينار الجزائري خلال الأشهر الأخيرة من عام 2025، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات لدى المواطنين والمستثمرين على حد سواء حول الأسباب والخلفيات وراء هذا الوضع الاقتصادي. تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي شهدتها الجزائر والمنطقة الأوروبية.

في البداية، تجدر الإشارة إلى أن هناك فجوة كبيرة بين سعر صرف اليورو الرسمي المعلن من قبل البنك المركزي الجزائري وأسعاره في السوق الموازي (السوق السوداء)، حيث يُباع اليورو في السوق الموازية بقيمة أعلى بكثير من السعر الرسمي. ويرتبط هذا الاختلاف أساساً بضعف احتياطي العملة الصعبة في البلاد مقارنة بحجم الطلب عليها، خاصة في ظل محدودية عمليات استيراد المنتجات الأوروبية والحاجيات الشخصية للمواطنين الراغبين في السفر أو العلاج خارج الجزائر. ويمثل ارتفاع الطلب على اليورو في السوق السوداء أحد أبرز أسباب استمرار ارتفاع أسعاره، حيث يشهد السوق تزايدًا في الإقبال مع اقتراب مواسم السفر والدراسة بالخارج.

من جهة أخرى، يعود هذا الصعود أيضاً إلى ارتفاع معدلات التضخم على الساحة الوطنية، ما أدى إلى تراجع قيمة الدينار محلياً وتدهور قوته الشرائية مقارنة بالعملات الأجنبية. كما ساهمت الأوضاع الاقتصادية في المنطقة الأوروبية وتحسّن بعض المؤشرات الإقتصادية بها في صلابة العملة الأوروبية، مما جعل اليورو أكثر قوة عالمياً.

ولا يمكن إغفال تأثير السياسات المالية، حيث أدي نقص مرونة تحويل العملة الأجنبية ونُدرة النقد الأجنبي في البنوك الجزائرية إلى دفع الكثير من الأفراد والشركات للتوجه إلى السوق الموازي لتلبية احتياجاتهم من اليورو، ما يُضاعف الضغط على قيمة اليورو ويرفعه أمام الدينار.

يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن معالجة هذه الأزمة تتطلب حزمة من الإصلاحات النظامية، من أهمها تعزيز احتياطي العملة الأجنبية بتنويع مصادر الدخل وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات، بالإضافة لتحسين مناخ الأعمال وتبسيط شروط الحصول على العملة الصعبة من القنوات الرسمية. كما يُعد تطوير القطاع البنكي وتحديث الأنظمة الاقتصادية من الحلول المقترحة للحد من الفجوة بين السوقين الرسمي والموازي.

في المجمل، تبقى مسألة استقرار الدينار الجزائري أمام تحديات كبيرة مرتبطة بوضع الاقتصاد الوطني، ومدى نجاح الحكومة في استقطاب الاستثمارات وتعزيز مصادر العملة الصعبة لضبط سوق الصرف ودعم قيمة الدينار على المدى المتوسط والطويل.