الجزائر تعزز واردات القمح اللين: بين استراتيجية الأمن الغذائي وتغيرات السوق

أعلنت الجزائر مؤخرًا عن إطلاق مناقصة جديدة لشراء 50 ألف طن من القمح اللين الموجه للصناعة الغذائية والمطاحن، في خطوة تؤكد التزامها بتأمين حاجياتها الاستراتيجية من الحبوب وسط تقلبات الأسواق العالمية وتحديات الإنتاج المحلي.

تأتي هذه المناقصة الجديدة، التي أطلقتها الديوان الجزائري المهني للحبوب، بعد فترة قصيرة فقط من مناقصة مماثلة لشراء كميات من القمح الصلب في شهر أكتوبر الماضي. وتبرز هذه الديناميكية المتواصلة في سوق الحبوب الجزائري نتيجةً للظروف المناخية غير المستقرة التي شهدتها البلاد هذا العام، والتي أثرت سلبًا على إنتاج القمح المحلي، ما دفع السلطات إلى زيادة الاعتماد على الأسواق الخارجية لتلبية حاجيات المطاحن وضمان استقرار أسعار الخبز، الذي يُعد مادةً أساسية في المائدة الجزائرية.

وبحسب تقارير إخبارية وتقديرات للسوق، تسعى الجزائر إلى استيراد هذه الكمية عبر دفعات، ضمن سياسة استباقية هدفها توفير المخزونات الكافية تحسبًا لأي طارئ في الأسواق العالمية، خاصةً مع تذبذب أسعار الحبوب في الأسواق الدولية نتيجة الأزمات الجيوسياسية والمناخية وتأثر سلاسل الإمداد.

تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، حيث يعتمد الاستهلاك المحلي بشكل كبير على الاستيراد لسد الفجوة بين الإنتاج الوطني والطلب المتنامي في ظل تزايد عدد السكان وتغير العادات الغذائية. وفي ظل تصاعد الأسعار العالمية وشح الإمدادات في بعض الفترات، تسعى الحكومة الجزائرية إلى الحفاظ على الأمن الغذائي من خلال تنويع مصادر وارداتها من القمح، مع السعي المتواصل لتحسين مردودية الإنتاج الوطني عبر برامج الدعم وتحديث تقنيات الزراعة.

من جانب آخر، أكد المسؤولون في الديوان المهني للحبوب أن المناقصة الحالية تأتي في إطار خطة إستراتيجية تهدف ليس فقط إلى الاستجابة للحاجيات العاجلة، بل أيضًا إلى دعم المخزونات الوطنية وتفادي أي اضطرابات قد تؤثر على توفر المواد الأساسية. وتعمل الجزائر على إبرام عقود مع موردين من عدة دول، مستفيدة من الانخفاض النسبي الذي شهدته أسعار القمح اللين خلال الأسابيع الماضية نتيجة تحسن إنتاج بعض الدول المصدرة.

وتبقى الجزائر حريصة على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الطلب الداخلي وضرورة تأمين مصادر تموين متنوعة بعيدة عن التقلبات الحادة في الأسواق العالمية، في الوقت الذي تواصل فيه الدولة دعم قطاع الحبوب وتحفيز الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة وتحسين البنية التحتية للإنتاج والتخزين.

وهكذا، تعكس السياسات الحالية الخاصة باستيراد القمح التوجه الرسمي للحفاظ على استقرار السوق الداخلي وضمان الأمن الغذائي للمواطنين، في ظل تحديات اقتصادية ومناخية تتطلب حلولاً مرنة ومتوازنة.

موضوعات ذات صلة