تبدّل المشهد اللغوي في الجزائر يثير حفيظة التيارات الفرنسية المتشددة
في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم في الجزائر، برزت ظاهرة تصاعد اعتماد اللغة الإنجليزية في المؤسسات التعليمية والجامعية على حساب اللغة الفرنسية، التي لطالما كانت جزءاً من إرث الاستعمار الفرنسي في البلاد. هذا التحول لم يمر مرور الكرام في الأوساط السياسية الفرنسية، خاصة لدى التيارات المتشددة، إذ رأت فيه تهديداً لمكانة اللغة والثقافة الفرنسيتين في الفضاء المغاربي وشمال إفريقيا.
وقد اتخذت الجزائر في السنوات الأخيرة عدة قرارات جوهرية تقضي بتدريس الإنجليزية بشكل أوسع، بدءاً من المدارس الإبتدائية إلى الجامعات، ضمن رؤية تهدف إلى الانفتاح على العلم والاقتصاد العالميين وتلبية متطلبات العصر الحديث. ويبرر صناع القرار في الجزائر هذه السياسات بسعيهم لتعزيز مكانة البلاد إقليمياً ودولياً، وفك الارتباط التدريجي مع مرحلة ما بعد الاستعمار.
لكن هذه السياسات لم تلقَ استحسان جميع الأطراف، فبعض الأصوات الفرنسية عبّرت عن قلقها مما اعتبرته “تهميشاً” للغة الفرنسية، وذهبت تيارات اليمين المتطرف في فرنسا إلى حد انتقاد الجزائر بشدة، متهمة السلطات الجزائرية بمحاولة محو آثار اللغة الفرنسية بتشجيع الإنجليزية. الطريف أن هذه الجهات نفسها كثيراً ما تهاجم وجود الجزائريين والعلاقات الفرنسية الجزائرية، لكنها تجد نفسها اليوم في موقف المدافع عن لغة كانت في نظر الكثيرين رمزا لماضٍ استعماري ثقيل.
من جهة أخرى، يرى مراقبون جزائريون أن إفساح المجال أمام الإنجليزية إنما هو قرار سيادي يندرج ضمن خيارات الشعب الجزائري وحقه في اختيار ما يلائم مستقبله، خاصة مع التحولات العالمية التي جعلت الإنجليزية لغة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي والتواصل الدولي.
وفي استطلاعات الرأي المحلية والمناقشات العامة، يبرز توافق شعبي واسع على أهمية تعلم الإنجليزية لما تتيحه من فرص في الدراسة والعمل والتواصل، دون أن يعني ذلك بالضرورة قطيعة كلية مع الفرنسية أو العربية.
وهكذا يتجلى النقاش حول قضية اللغة في الجزائر مرة أخرى كساحة لتصارع الهويات والرؤى لمستقبل البلاد؛ في حين تمثل ردود الفعل الفرنسية مؤشرا على استمرار الجدل حول النفوذ الثقافي والرمزي لباريس في المنطقة. أما في الجزائر، فتجد الأجيال الجديدة في هذا الانفتاح اللغوي مسارا لتعزيز المكانة الدولية وتجاوز إرث حقبة الاستعمار.