لماذا-استطاع-الرئيس-عبد-العزيز-بوتفلي-2

الرئيسية » آخر خبر » لماذا استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستمرار طويلا في الحكم بينما انسحب غيره من الرؤساء بسرعة؟ بقلم رياض الصيداوي

لماذا استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستمرار طويلا في الحكم بينما انسحب غيره من الرؤساء بسرعة؟ بقلم رياض الصيداوي

في آخر خبر, ديموقراطية عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير

15 سبتمبر 2015
0
1,409 زيارة

548348_10150924395063835_119622873834_12864095_1033291199_nإن نجاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات لمدة خمس سنوات أخرى مثل استثناء كبيرا جدا لقاعدة سياسية ذهبية تكررت لحوالي عقد من الزمن ومفادها أن الجزائر لم تعرف أي رئيس دولة أكمل عهدته الرئاسية وبدأ عهدة جديدة. نجح بوتفليقة في تعديل الدستور وشق المؤسسة العسكرية وإخراج ضباط كبار منها وحشد حوله أحزاب كثيرة وساعده في ذلك عائدات نفطية هائلة لم تكن متوقعة وصل فيها سعر برميل النفط إلى 147 دولار في سنة 2008. فما الذي حدث؟

لقد شهدت الجزائر منذ الأزمة السياسية الدموية التي عصفت بها على إثر إيقاف الدور الثاني للانتخابات التشريعية سنة 1991 أربعة رؤساء دولة وهم على التوالي: الشاذلي بن جديد الذي تم إجباره على الاستقالة من قبل 180 ضابطا عسكريا يقودهم اللواء خالد نزار، ثم محمد بوضياف الذي تم اغتياله بعد بضعة أشهر من ترؤسه للدولة، ثم علي الكافي الذي لم يعمر طويلا، فالرئيس اليمين زروال الذي انسحب مبكرا وقبل إنهاء عهدته. فقط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قدم استثناءا مدهشا .
وهو ما يعني استعادة مؤسسة الرئاسة لقوتها وتفوقها على المؤسسة العسكرية بعد أن ضعفت كثيرا في سنوات حكم الرؤساء المتعاقبين منذ استقالة الرئيس بن جديد.

صراع تاريخي بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة

لابد من فهم سوسيولوجي تاريخي لطبيعة هذا الصراع بين كل من المؤسسة العسكرية ورئيس الدولة. يتميز الصراع في الجزائر بكونه صراع مؤسسات أكثر منه صراع أيديولوجيات أو حتى أفراد. فهو صراع موضوعي وليس صراعا ذاتيا، مستقلا عن إرادة الأفراد ومتكررا عبر التاريخ. انحصر هذا الصراع أساسا بين مؤسستين: المؤسسة العسكرية من جهة ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى.
وقد نجح الجيش في السابق في فرض إرادته على كل الرؤساء الذين حكموا الجزائر منذ تقديم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد استقالته إلى حد وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم بعد انتخابات أبريل 1999 والتي انسحب منها منافسوه في آخر لحظة ليتركوه ينتصر وحيدا. لعله من المناسب التذكير بنتائج جولات الصراع عبر منهج كرونولوجي.

تاريخية الصراع

أولا : الشاذلي بن جديد عين رئيسا للجمهورية على إثر وفاة الرئيس هواري بومدين لكونه الضابط الأرفع رتبة والأكبر سنا. أحدث ذلك مفاجأة كبيرة لأن الجميع كان ينتظر تعيين عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية المحسوب على التيار اللبيرالى أو صاحب النزعة الاشتراكية محمد صالح اليحياوي مدير حزب جبهة التحرير الوطني. تدخل الجيش وحسم الموقف بأن فرض رجله على مؤسسة الرئاسة. لكن سرعان ما دخل هذا الجيش في صراع مستمر مع الرئيس بن جديد لينتهي الصراع في بداية عام 1992 بإرغام الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد اجتماع حاشد شارك فيه 180 ضابطا كبيرا.
ثانيا: محمد بوضياف استنجد به الجيش حتى ينقذ الجزائر بأن يقبل رئاسة الدولة. كان يمثل خيار الجيش الباحث عن شرعية لم يجدها إلا في ثورة التحرير الوطني ومثل بوضياف الاختيار الصائب، كونه صاحب أول بطاقة مناضل في جبهة التحرير الوطني وواحد من خمسة أسسوها. مضت فترة قصيرة حاول أثناءها الرئيس الجديد أن يحكم فعليا وان يفتح الملفات وأن يغير ويعزل… وصل الأمر بالمخابرات العسكرية إلى حد قطع مقاطع كثيرة من خطبه الحماسية التي يبثها التلفزيون…وحينما أزعج كثيرا تم اغتياله على يد أحد حراسه.
ثالثا: الرئيس الوحيد الذي عرف حدوده ولم يشغل نفسه بمقاومة المؤسسة العسكرية هو علي الكافي. لأنه فهم أصلا حدود القوى ولم تكن له طموحات للحكم ولا للتغيير. جاء به الجيش للرئاسة وعزله لاحقا في صمت وهدوء لافتين للنظر.
رابعا: أوصل الجيش اللواء اليمين زروال إلى السلطة، قيل سنة 1994 أنه كان مرشح الجيش وذلك قول صحيح. أراد زروال تطبيق برنامجه واستخدام كامل صلاحياته كرئيس دولة فاصطدم مع قيادة الجيش، ووجد نفسه محاصرا، عاجزا عن اتخاذ قرارات مصيرية كالمصالحة الوطنية الشاملة أو فتح ملفات الفساد والرشوة. وحينما حاول أن يقاوم ضغط الجيش وإحداث موازين قوى جديدة فيه، شنت عليه حملة غير مباشرة تمثلت في اتهام مساعده الأول الجنرال محمد بتشين بالفساد. واشتدت هذه الحملة على رئيس حكومته الذي انقلب عليه في الأخير أحمد أويحي كما مست هذه الحملة وزير إعلامه والناطق الرسمي باسم الحكومة حبيب حمراوي شوقي…وأخيرا وصلت إليه عن طريق صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية والمقربة من قيادة الأركان. استقال زروال بعد أن حصل الصدام المباشر مع قيادة الجيش.
الرئيس الوحيد الذي خاض صراعا خفيا تارة وعلنيا تارة أخرى هو عبد العزيز بوتفليقة وقد نجح في صراعه بفضل عوامل خارجية وداخلية تفاعلت معا لصالحه.

العوامل الداخلية

صرح الرئيس بوتفليقة أكثر مرة أنه ليس بثلاثة أرباع رئيس وكان ذلك مفاجأة لكل من شاهد خطابه واستمع إليه. كان يواجه ضغط وقوة هيأة أركان الجيش الجزائري وقائدها الفريق محمد العماري. تحمل هذه الضغوط المختلفة إلى أن جاءت دورته الثانية في الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2004. هنا حدث انقسام خطير في المؤسسة العسكرية حيث التزم اللواء محمد العماري بتقديم دعم خفي إلى علي بن فليس المنافس الأول لبوتفليقة إضافة إلى جنرالات آخرين يعملون أو متقاعدين ومنهم اللواء المتقاعد خالد نزار. وفي المقابل دعم اللواء محمد مدين قائد جهاز الاستخبارات العسكرية، أكثر الأجهزة نفوذا في الجيش والدولة بوتفليقة. حدث الصراع وتم الحسم ونجح الرئيس لدورة ثانية وانسحب اللواء محمد العماري نهائيا من المؤسسة العسكرية. وأدخلت تغييرات كثيفة على قيادة المؤسسة العسكرية تم بموجبها إخراج كثير من ما يسمى ب”ضباط الجيش الفرنسي”، أي الضباط الذين عملوا في الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير الوطني (1954-1962) ولم يلتحقوا بالثورة إلا متأخرا. وتم تعويض الكثير منهم بضباط الجيل الشاب، أولئك الذين تكونوا عسكريا في فترة الاستقلال في الأكاديميات العسكرية في بغداد والقاهرة وموسكو حتى سان سار في فرنسا… حدث إذن تطور داخلي لدى المؤسسة العسكرية جاء لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .
لقد كانت القاعدة في السابق تقول أن مرشح الجيش هو الرئيس الذي يحترم قراراته، لا يحاول أن يمس بتوازناته الداخلية، أن لا يتخذ القرارات الكبرى دون موافقته، أن يكون تابعا للمؤسسة العسكرية لا قائدا لها.
في حين أن المشكل مع عبد العزيز بوتفليقة يكمن في كونه ليس رجلا سهلا يقبل أن يكون مجرد ديكور في المشهد الجزائري. فشخصيته قوية وتجربته السياسية طويلة وخبرته متميزة وطموحه جارف…وصدامه مع قيادة الجيش جاء في النهاية لصالحه.

شخصية بوتفليقة

لنذكر بجذور الرئيس المترشح لدورة ثالثة. ولد عبد العزيز بوتفليقة في 2 مارس/آذار1937 بمدينة تلمسان غرب الجزائر. انظم إلى الثورة مبكرا منذ سنة 1956 حيث عمل تحت قيادة هواري بومدين العسكرية الذي اهتم به وأوكل إليه مهمات دقيقة. فعينه قائدا عسكريا برتبة رائد ولم يتجاوز سنه 18 سنة ليقود رجالا أكبر منه سنا في الجبال والمغاوير. أرسله بومدين قبل أشهر من الاستقلال سنة 1961 إلى فرنسا في مهمة سرية لإقناع محمد بوضياف بإمكانية التحالف معه لإسقاط الحكومة المؤقتة فرفض عرضه وعامله بجفاء. ونجح في اتصاله باحمد بن بلا حيث قبل بمشروع التحالف مع قيادة أركان جيش التحرير الوطني. يعد بوتفليقة أحد أعمدة “كتلة وجدة العسكرية” الأكثر صلابة وإخلاصا للقائد بومدين. شغل منصب وزير الشباب والرياضة والسياحة وعمره لا يتجاوز 25 سنة. ثم منصب وزير الخارجية إلى سنة 1979. أقنع رفاقه وقائده بضرورة إزاحة الرئيس الأسبق أحمد بن بلا. وهو ما تم في انقلاب 19 يونيو 1965. انتخب بالإجماع رئيسا للدورة 29 للجمعية العامة للأمم المتحدة. بعد وفاة بومدين مباشرة، كان واحدا من مرشحين اثنين لخلافته، من المفترض أن منافسه الأول هو محمد الصالح اليحياوي. لكن الجيش، وهو ما لم يتوقعه أحد، عين الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية على اعتبار أنه الضابط الأكبر سنا والأعلى رتبة حتى يتم التخلص من بوتفليقة.
إن الخصال التي تميز “سي عبد القادر” يمكن حصرها في امتلاكه للشرعية التاريخية التي مازالت تعد أكبر رأسمال رمزي يمكن من خلاله قيادة الجزائر. يساعده في ذلك كونه مقاتل وهب الثورة شبابه منذ بدايتها. كما أن ارتباط اسمه بالعصر الذهبي الذي عاشته الجزائر أثناء فترة حكم بومدين في النصف الثاني من الستينات والسبعينات ويثير هذا العهد لدى الجزائريين حنينا كبيرا واحتراما خاصا، فيندرج اختياره في إطار البحث عن الشرعية لدى المناضلين الأوائل.
إستراتيجية بوتفليقة
لقد استخدم الرئيس بوتفليقة في عهدته الأولى استراتيجية بسيطة ولكنها قوية وهي المواجهة المفتوحة مع بعض قادة الجيش وهاجمهم في أكثر من خطاب علنا واستخدم فصاحته اللغوية ليواجه خصومه من خلال جهاز التلفزيون الذي هيمن عليه واستعمله كمدفعية ثقيلة يدك بها معاقل بعض الجنرالات الذين ذعروا من جرأته وقدرته على المواجهة المفتوحة دون أن يقع في أخطاء الرئيس الراحل محمد بوضياف.

ضجر الجزائريين من الحرب

عامل داخلي آخر ساعد بوتفليقة في ترسيخ حكمه واستمراره الطويل يكمن في ضجر حقيقي لدى أغلبية الجزائريين، شعبا وأحزابا، عسكرا وإسلاميين من الصراع الدموي الذي حدث طيلة سنوات التسعين، ما سمي بالعشرية الحمراء، فكان ثمة إجماع على ضرورة وقف القتال. فتم الالتجاء إلى قانون الوئام المدني الذي سمح للمقاتلين الإسلاميين بالنزول من الجبال والعودة إلى منازلهم والاندماج من جديد في المجتمع.

العامل الاقتصادي وارتفاع أسعار البترول

كما ساعد العامل الاقتصادي أيضا كثيرا بوتفليقة وتصادف ذلك مع سنة وصوله إلى الحكم. حيث تحسن الوضع الاقتصادي، أي العائدات النفطية، بشكل كبير جدا منذ بداية سنة 2000. فقد صرح مدير سوناطراك عبد الحق بوحفص أن “مداخيل المحروقات نهاية حزيران / يونيو لسنة 2000 بلغت في هذا السداسي 10.16 مليار دولار. وهذا الرقم يمثل ضعف ما حقق خلال السداسي الأول من 1999 ويفوق مداخيل عام 1998 مع توقع مداخيل إجمالية لهذه السنة تفوق 20 مليار دولار” . وأضاف مدير الشركة البترولية العملاقة أن “5 اكتشافات جديدة تحققت هذه السنة : 3 من قبل سوناطراك و2 من خلال الشراكة. كما حققت الشركة نسبة نجاح فاقت 63% في مجال الاستكشاف مما يضعها في المراتب الخمسة الأولى عالميا”. وذكر أن نفس الشركة “قدمت للخزينة برسم الجباية البترولية 557 مليار دينار إلى غاية نهاية حزيران /يونيو 2000 مقابل 2.7 مليار دولار خلال يونيو / حزيران 1999 أي بزيادة نسبة 157%. كما أن قدرات الإنتاج البترولي ستتجاوز 1.5 مليون برميل يوميا. مع الأخذ بعين الاعتبار أن السوق الجزائرية لا تستهلك محليا إلا 11% من إنتاج المحروقات حيث تخصص 89% الباقية للتصدير .
وارتفعت أسعار النفط بشكل هائل في سنة 2008 لتصل إلى حدود 147 دولارا للبرميل وهو ما أنعش الميزانية الجزائرية لكنه بدأ في التراجع إلى حدود الأربعين دولارا.

تحسين صورة الجزائر على المستوى الدولي

حقق بوتفليقة نجاحا ممتازا على المستوى الدولي. فقد استطاع بفضل خبراته القديمة كوزير للخارجية أن يفك العزلة عن الجزائر وأن يعيد نسج علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدول الغربية وبخاصة واشنطن وباريس. وساعدته أحداث 11 سبتمبر 2001 كثيرا. حيث نسجت الولايات المتحدة الأمريكية علاقات قوية مع الجزائر وفتحت لها أبوابا كثيرة اقتصادية وعسكرية وسياسية كانت شبه مغلقة من قبل.

ولكن تراجع حرية الصحافة…

إن فوز بوتفليقة بولاية ثالثة وبنسبة عالية جدا يعني توطيد مؤسسة الرئاسة في مواجهة الجيش واستعداده لينتقل إلى مرحلة أخرى من الاستقرار ولكنه في الآن نفسه قد يهدد الديموقراطية الجزائرية الناشئة والتي نجحت في سنوات التسعين في تفريق السلطات على أفراد عديدين بدل مركزتها في يد واحدة. كما نجحت في نفس الفترة في رفع سقف الحريات الصحفية إلى حد كبير وبخاصة على مستوى التلفزيون والإذاعة الرسمية. ويعاب كثيرا على بوتفليقة احتكاره لمؤسستي الإذاعة والتلفزيون ومنعه لأصوات المعارضة من التعبير عن نفسها عبر الإعلام الثقيل وهي التي كانت تستطيع فعل ذلك في سنوات التسعين… رغم الحرب الطاحنة.

مقال نشره الكاتب سنة 2008

موقع رياض الصيداوي بثلاث لغات

http://www.riadh-sidaoui.net/

مدونة رياض الصيداوي
http://rsidaoui.blogspot.com

 



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *