2 ـ الجبهة/ الجيش: الانفصال
مثلت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 منعرجا حاسما في تاريخ جبهة التحرير، إذ كانت إعلانا رسميا عن أزمة ثقة، بل عداوة، صريحة بينها وبين رجل الشارع.
تسببت البيروقراطية الحزبية، والخلل الواضح بين شعارات المسؤولين “التقدمية” وممارساتهم اليومية، إضافة إلى الفساد الذي استشرى في عهد بن جديد، وظهور ما أطلق عليه بـ”المافيا الاقتصاديةـ السياسية ـ العسكرية”، في هذه القطيعة بين الجبهة وما كانت تعتبره “جماهيرها المناضلة”. فقد استهدف المتظاهرون مقراتها، وكانت أول هدف للحرق والنهب. وتدخل الجيش حاسما الموقف وبعد سقوط مئات القتلى، تمكن من وضع حد للاضطرابات. وأحس الجيش كما الجبهة بأن صورتيهما الأسطورية التي اكتسباها من حرب التحرير، قد انتهت في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988. ودخلت السلطة بمختلف أنواعها، سياسيون وعسكر في تبادل الاتهام عن من هو المسؤول، وكان بن جديد واضحا حينما قال في المؤتمر السادس للجبهة “لقد أنقذ الجيش البلاد من كارثة… ويجب على الذين ينتقدون الجيش أن يوجهوا انتقادهم لي أنا شخصيا فأنا الذي أعطيته الأوامر للتدخل” .
ورد الجيش الفعل وانسحب من جبهة التحرير الوطني.
أ ـ الانسحاب: فصل العسكري عن السياسي
فرض بن جديد في مؤتمر الجبهة السادس الذي عقد مباشرة بعد أحداث أكتوبر، أي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الموالي، على اللجنة المركزية مجموعة من الاصلاحات من بينها قبولها بفصل الحزب عن الدولة، ورغم ذلك، فقد أعادت اختياره كمرشح وحيد لانتخابات ديسمبر/كانون الأول 1988 الرئاسية. وبعد أن تم انتخابه، دفع في اتجاه تبني دستور جديد للجزائر يؤسس للتعددية الحزبية وفصل الجيش عن السياسة. وتم الاستفتاء الشعبي الذي تبنى هذا الدستور بنسبة 73.4 بالمائة “نعم” في 5 فبراير/ شباط 1989. وفي 4 مارس/آذار مـن نفـس السنة، احتـراما منهـم لمبـدأ التعـددية السياسية وللدستور، قدم ضباط الجيش استقالتهم من اللجنة المركزية للحزب .
وبموجب هذا الدستور، لم يعد الجيش “وسيلة الثورة في التغيير الاجتماعي، مكلفة بالمساهمة في تنمية البلاد وتوطيد الاشتراكية” كما كان في الدستور القديم، لقد نصت المادة 24 من الدستور الجديد على “أن مهمة الجيش الوطني الشعبي الدائمة هي المحافظة على الاستقلال الوطني، والدفاع على السيادة الوطنية. إنه مكلف بضمان الدفاع عن وحدة البلاد وحرمتها الترابية …
وأكد هذا الانسحاب عمليا العقيد يحيى رحال، مدير ” المفوضية السياسية للجيش” حينما صرح لصحيفة المجاهد: “من المهم أن يكون الجيش الوطني الشعبي فوق كل صراع سياسي” . وفي نفس السياق، عين اللواء خالد نزار وزيرا للدفاع سنة 1990، وذلك لأول مرة منذ انقلاب حزيران/يونيه 1965، وتم ذلك بعد أن انسحب الرئيس من منصبه كأمين عام لجبهة التحرير في سنة 1989. فلم يعد رئيس الدولة يحتكر السلطات الثلاثة (الدولة ـ الجيش ـ الحزب) .
وفي ربيع 1990، قرر رئيس الحكومة مولود حمروش وعـدد من وزرائه الانسحاب من المكتب السياسي للجبهة .
لكن يبقى أهم تغير له دلالة سياسية بارزة هو انسحاب الجيش من الحزب، فهذا الانسحاب شكل منعرجا حاسما في المشهد السياسي للجزائر. مما يدفعنا إلى ضرورة البحث عن الأسباب العميقة والمباشرة التي دفعته إلى الانفصال عن الحزب.
تبرز الأسباب العميقة من خلال:
ـ أولا: تغير تركيبة الجيش: فقد انسحب الضباط والجنود الذين شاركوا في الثورة في إطار جبهة التحرير الوطني بفعل الابعاد أو العزل بسبب الصراع عن السلطة أو بسبب فقدانهم للكفاءة العلمية أو بفعل التقاعد والكبر في السن، وحل محلهم ضباط جدد، ضباط الجيش الفرنسي (رأينا ذلك سابقا) في القيادة من أمثال، خالد نزار ، محمد العماري ، محمد التواتي ، محمد مدين . وضباط آخرون، شباب التحق بالجيش وتكون تكوينا عسكريا احترافيا، بعيدا عن شعارات الجبهة وإيديولوجيتها، وهـو متفق مـع القـادة الذين سـبق ذكرهـم، بـأن الحـزب يشكل عبئا على الجيش، يستحسن التخلص منه والتفرغ للمسائل العسكرية البحتة.
ـ ثانيا: اهتراء اسم جبهة التحرير الوطني: لم تعد الجبهة ذلك الرمز التاريخي الذي أشع عالميا، وشكل أسطورة ببطولاته في حرب التحرير، فقد تحول إلى مجرد جهاز إداري ـ جسدا بدون روح ـ سيء السمعة، يجمع الباحثين عن مصالحهم، ومصدرا للإثراء، والتسلق الوظيفي الانتهازي. ومثل حرق مقراته من قبل المتظاهرين في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 دلالة سياسية ـ نفسية ذات معنى كبير، فهو “حزب الخاسرين” وتأكد ذلك خاصة بعد هزيمته في الانتخابات البلدية أمام “الجبهة الاسلامية للإنقاذ”، بفارق واسع ، وهزيمته مرة ثانية أمامها وأمام حزب “جبهة القوى الاشتراكية” بقيادة حسين آيت أحمد في الدور الأول من الانتخابات التشريعية .
ـ ثالثا: حدث تقارب وانسجام كبيران بين قادة الجيش وطبقة التقنوقراط الجديدة، فقد برزت منذ آواخر عهد بومدين مجموعة من المسؤولين ذوي الكفاءات العلمية والمهنية، واحتلوا تدريجيا بعض المواقع في جهاز الدولة، وكان انتماءهم إلى الحزب صوريا، حيث تجاوزت قناعاتهم شعارات الجبهة، وكانوا أول المستعدين للانسحاب منها، لأنهم يرونها عائقا أمام الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وعلى رأس هذه المجموعة سيد أحمد غزالي الذي فرضه الجيش رئيسا للحكومة، قبل استيلائه على السلطة في آخر عهد بن جديد .
وسيجد الجيش سندا له، داخل هذه المجموعة في مواجهة بقية القوى السياسية بما فيها جبهة التحرير الوطني.
أما الأسباب المباشرة التي دفعت بالجيش إلى الانفصال عن الجبهة فيمكن حصرها في:
ـ أولا: كانت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، سببا مباشرا دفع الجيش إلى الانسحاب، فقد تم انتقاده بشدة بسبب تدخله العنيف لاعادة الهدوء إلى الشارع الجزائري، وشنت حملة لتشويهه باعتباره مسؤولا عن العديد من التجاوزات، وأنه يقف عائقا أمام التعددية الحزبية وبالتالي الديموقراطية… فقام بالانسحاب، لتلميع صورته، وإلقاء المسؤولية على جبهة التحرير الوطني فيما وصل إليه وضع البلاد، ومن ثمة الرد على كل من يتهمه بأنه “فوق الصراع السياسي”.
ـ ثانيا: سيتمكن، بانسحابه، من حماية وحدته من التمزق، ذلك أن الجبهة نفسها كانت تخوض صراعات ضد مؤسسة الرئاسة، وضد الأحزاب الأخرى، وكانت تعيش صراعا داخليا حادا بين محافظين (الحرس القديم) وليبيراليين يدعون إلى الانفتاح، فاختارت قيادة الجيش إبعاد ضباطها عن هذا الصراع الداخلي المتشابك، حماية لوحدتها كمؤسسة عسكرية متلاحمة.
ـ ثالثا: أحس الجيش بخطر المرحلة السياسية القادمة ودقتها، فهو إذا تدخل باسم جبهة التحرير الوطني وشن حملة قوية ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فسيعد ذلك تحيزا منه لحزب معين، وبالتالي يعتبر معاديا للديموقراطية والتعددية الحزبية، وحينما سيتدخل فيما بعد سيكون ذلك من أجل حماية الوطن واستقراره والمحافظة على وحدته، مما مكنه من تفادي تهمة التحيز الحزبي، فاختار الابتعاد والتراجع الشكلي عن الساحة السياسية لمراقبة الوضع والتدخل حينما يستدعي الأمر تدخله، خاصة وأنه يمتلك من خلال المخابرات العسكرية المعلومات والملفات الضرورية التي تمكنه من فهم طبيعة المرحلة.
نتج عن الانفصال بين العسكر والسياسيين ظهور صراع جديد، إذ لم يعد الصراع داخليا داخل جبهة التحرير، وإنما أصبح خارجيا بين مؤسستين مستقلتين، الجيش من موقعه في السلطة، وجبهة التحرير الوطني من موقعها في المعارضة.
ب ـ الأزمة: الجيش في السلطة/ الجبهة في المعارضة
لم تستمر مراقبة الجيش لتطور الأوضاع السياسية طويلا، فبعد أن نجحت “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” في الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي تمت في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، وحصلت على نسبة 5،47% ، تدخل الجيش في 11 حزيران/يونيه 1992، وأجبر الشاذلي بن جديد على الاستقالة. وتم ذلك بعد اجتماع 180 ضابطا من الجيش في بداية شهر يناير/كانون الثاني 1992 ليعقدوا العزم على وضع حد للانتخابات.
وانشىء المجلس الأعلى للدولة، متكونا من خمسة أعضاء على رأسهم محمد بوضياف ، ومثل الجيش فيه من خلال وزير دفاعه خالد نزار. وهي محاولة منه للبحث عن واجهة سياسية يحتمي بها، لكنها لـم تستمر طويلا، إذ تـم اغتيال بوضياف فـي 29 حزيران/يونيه 1992، وعوض بعلي كافي الذي وقع تعويضه باللواء اليمين زروال. لقد حاول الجيش البحث عن واجهة سياسية تدعمه، فالتجأ إلى شخصيات تاريخية شاركت في حرب التحرير كبوضياف، وكافي. وحاول أن يدعم موقعه بربط علاقة مميزة مع منظمة قدماء المجاهدين، التي تعرف احتراما وتقديرا كبيرين لدى الشعب الجزائري. وفي الآن نفسه تحالف مع التكنوقراط الذين استلموا كل ما هو إداري واقتصادي في البلاد، مثل سيد أحمد غزالي، مقداد سيفي، أحمد أويحي… ووحد صفوفه للتفرغ إلى مقاومة الحركة الإسلامية التي اتجهت إلى استخدام العنف المسلح ضد كل من يخالفها في الرأي والموقف.
كما توصل إلى ضرورة تعيين عسكري من الجيش في رئاسة الدولة، فأصبح اليمين زروال في 30 يناير/كانون الثاني 1994 رئيسا للدولة ووزيرا للدفاع في نفس الوقت .
اتسمت هذه المرحلة، منذ إجبار بن جديد على الاستقالة حتى إبعاد عبد الحميد مهري عن القيادة، بنمو صراع واضح المعالم بين جبهة التحرير الوطني من ناحية، والسلطة، ممثلة في مؤسسة الجيش من ناحية ثانية. لقد أصبح الصراع في هذه المرحلة خارجيا وليس داخليا كما كان من قبل. وانعدم بالتالي الصراع بيـن الجـناح العسـكري والجـناح السـياسي فــي مؤسـسة واحـدة. ولكنـه استمر في إطار مؤسستين مستقلتين، الأولى في الحكم والثانية في المعارضة. وكان لكل منهما انتقاداته ومواقفه من الآخر.
ـ موقف السلطة/ الجيش: تميز هذا الموقف بالعداوة منذ البداية، وذلك بعد انتقاد جبهة التحرير تدخل الجيش وإلغائه لنتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، وتنسيقها مع القوى المعارضة الأخرى، خاصة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجبهة القوى الاشتراكية. وتمثلت هذه العداوة في مصادرة السلطة الجديدة لمعظم مقرات الجبهة بما في ذلك مقرها الرسمي في الجزائر العاصمة. كما انتزع منها صحيفة “المجاهد”، الصحيفة التاريخية للثورة الجزائرية، وجعلتها ناطقا رسميا باسمها. وأممت أيضا صحيفة “الشعب” بعد أن أخذتها من الجبهة، فحاولت هذه الأخيرة اصدار صحيفة يومية جديدة، هي صحيفة “الحوار”، التي سرعان ما أوقفت لمدة ستة أشهر بدون تقديم أي تفسير .
ثم أصبح الهجوم عنيفا ضد الجبهة، أثناء وبعد ملتقى روما الذي احتضن أهم الأحزاب المعارضة الجزائرية يومي 21 و 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1994، بمبادرة من جمعية “سانت إيجيديو” الكاثوليكية، حيث جندت السلطة وسائلها الاعلامية، وبعض رجالاتها، يتقدمهم الراحل عبد الحق بن حمودة أمين عام النقابة الجزائرية والشيخ احمد حماني رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، ليتهم الجميع عبد الحميد مهري (أمين عام جبهة التحرير الوطني منذ أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988 حتي استبداله بالسيد بوعلام بن حمودة سنة 1996) “بالعمالة” و”الخيانة” و”العمل من أجل تدويل القضية الجزائرية”.
وتضاعفت الضغوط على الجبهة وأعضائها وعلى أمينها العام، الذي أشار مرة فقال “يراد إسكاتنا من الداخل بحجز جرائدنا وفي الخارج بالافتاء بأننا نحاول جلب الخطر الصليبي للجزائر” . مما دفع بالجبهة إلى انتقاد الجيش وتحديد موقفها منه. ولكن الاحداث تتالت بسرعة دفعت بالشق الموالي للنظام إلى الاستيلاء على قيادة الجبهة.
-موقف جبهة التحرير: تتهم الجبهة الجيش بكونه يحكم بدون غطاء سياسي، حيث حلل عبد الحميد المهري طبيعة العلاقة بين الجيش والحزب ماضيا وحاضرا قائلا: “إن الجيش الجزائري كان له دائما ثقل سياسي بدأ مع بداية الثورة وحرب التحرير، لكن هذا الثقل كان متكاملا داخل النظام، فالدستور وزع الصلاحيات يومها على جهات مختلفة، والجيش طبعا كان طرفا في الحكم، سواء في الحزب أو في السلطة التنفيذية، أما ما بعد النهاية الرسمية لنظام الحزب الواحد فقد أصبح الجيش وحده في الميدان، حتى إذا أخذ قرارات معينة وقام بتصرفات بارزة يكون بلا غطاء سياسي ولاحتى إطارات سياسية يلجأ إليها” ، كما انتقد مهري بعنف الجيش/السلطة في ندوة صحفية عقدت في فندق الجزائر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1994 واتهم سياسته بالفشل “حتى ولو هبت الأحزاب مجتمعة لنجدة السلطة” وطالبه بوضع “سياسة بديلة تتفق عليها أطراف الحوار…” .
وطالب، في نفس الاتجاه، الدكتور احمد طالب الابراهيمي، العضــو القيـادي فـي جبهـة التحـرير الوطنـي الرئيس السابق اليمين زروال، بضرورة بقاء الجيش “مؤسسة عصرية، قوية متماسكة، فوق الخلافات الحزبية، ويكون شغله الشاغل حماية الوحدة الوطنية والترابية، والدستور الذي يعكس إرادة الشعب صاحب السيادة” . ومن ثمة كانت القطيعة شبه نهائية بين الجيش وجبهة التحرير الوطني. وأثبتت الأحداث أن الجبهة تحولت إلى “جسد بدون روح”، منذ الصراعات العنيفة التى عاشتها سنة 1962 من أجل احتكار السلطة. فهي اليوم، بعد خروج العسكر منها، لاتحتل إلا المركز الثالث بين الأحزاب السياسية الرئيسية في الجزائر، ولاتستقطب الجيل الجديد من الشباب، فلجنتها المركزية لاتتكون إلا من القادة التاريخيين للجبهة. وإذا كان الجيل الشاب يمثل 65% من الشعب الجزائري، فإن الخسارة تصبح جسيمة، والمسافة بين الجبهة والمجتمع واضحة.
إننا يمكن أن نلخص طبيعة العلاقة بين الجناح العسكري والجناح السياسي داخل الجبهة، حتى سنة الانفصال 1989، من خلال الجداول الأربعة التالية، التى تتناول النخبة القائدة في أهم مواقع الجبهة/الثورة/الدولة:
جدول رقم (1) رئيس الدولة من 1962 إلى 1989 .
الـرئيـــس
الجنــــــاح
احمد بن بلا سياسي
هواري بومدين عسكري
الشاذلي بن جديد عسكري
جدول رقم (2 ) رئيس للحكومة من 1958 إلى 1990 .
رئيس الحكومة
الجنـــــاح
فرحات عباس سياسي
بن يوسف بن خده سياسي
احمد بن بلا سياسي
هواري بومدين عسكري
الشاذلي بن جديد عسكري
احمد عبد الغني عسكري
عبد الحميد البراهيمي سياسي
قاصدي مرباح عسكري
مولود حمروش سياسي
جدول رقم (3) وزير الدفاع من 1962 إلى 1989
الـــوزيــر
الجنـــاح
هواري بومدين عسكري
الشاذلي بن جديد عسكري
جدول رقم ( 4) أمين عام ومسؤول للحزب من 1956 إلى 1994.
المســــــؤول
الجنــــاح
محمد خيضر سياسي
أحمد بن بلا سياسي
هواري بومدين عسكري
شريف بلقاسم * عسكري
قايد أحمد * عسكري
محمدالصالح اليحياوي * عسكري
الشاذلي بن جديد عسكري
محمد الشريف مساعدية * سياسي
عبدالحميد مهري سياسي
تقدم لنا هذه الجداول مجموعة استنتاجات:
ـ أولا: إن هيمنة الجناح العسكري كانت مطلقة على رئاسة الدولة منذ إزاحة بن بلا سنة 1965. ويفسر ذلك بأهمية موقع الرئيس في عملية التحكم في مقاليد الحكم، فلم يكن الجيش مستعدا للتفريط في هذا الموقع. (جدول رقم 1).
ـ ثانيا: احتكر منصب وزير الدفاع كلية من قبل الجناح العسكري، بل احتكر أيضا من قبل رئيس الدولة، ودلالة ذلك، أن من يحكم الجيش، يحكم بالضرورة الدولة والحزب. (جدول رقم 3).
ـ ثالثا: هناك تسامح نسبي من قبل الجيش في منصب رئيس الحكومة، فباستثناء هيمنة بومدين المطلقة على كل المناصب، والفترة الأولى من عهد بن جديد، احتل السياسيون المدنيون هذا الموقع، ويفسر ذلك بطبيعة هذه المسؤولية في النظام السياسي الجزائري، فهي مسؤولية إدارية قبل أن تكون سياسية، ونلاحظ اليوم (1994-1999)، أن الجيش قد سلمها إلى التقنوقراط (مقداد سيفي، احمد أويحي، إسماعيل حمداني).
ـ رابعا: هيمن الجناح السياسي على أمانة الجبهة منذ مؤتمر الصمام (عبان رمضان) وتواصل ذلك مع محمد خيضر وأحمد بن بلا، لكن انقلاب بومدين، أضعف هذا الجهاز كثيرا، خاصة بعدما سلمه إلى بعض ضباطه من مجموعة وجدة (شريف بلقاسم، قايد أحمد)، لكن عاد الجناح السياسي بقوة بفضل لعبة إعادة التوازن التي قام بها الشاذلي بن جديد، ومجيئ محمد الشريف مساعدية لإدارة الحزب.
لقد بينت هذه الجداول، إجمالا، كيف هيمن الجيش على الجبهة من خلال الهيمنة على أهم المواقع داخل الجبهة/ الدولة. وأدت هذه الهيمنة إلى إقصاء شبه كلي للجناح السياسي، حتى إذا ما انسحب الجيش/ السلطة من الحزب، وجد هذا الأخير نفسه في حالة انحطاط كبير وضعف شديد. إذ فقد الجماهير من قبل، كما فقد قياداته التاريخية، وحينما فقد السلطة الشكلية التي كان يمارسها من خلال الجيش، فقد معه بيروقراطيته الإدارية ومزاياها المالية، وبالتالي كثير من أعضائه الذين لم ينضموا إلى الجبهة إلا مكرهين، من خلال قوانين إلزام العضوية، لمنخرطي الجمعيات الأخرى، أو منتهزين ما يمكن أن تقدمه هذه البيروقراطية من فوائد مادية وامتيازات وظيفية، غادروها منذ إقصائها عن الحكم من قبل الجيش. والطريف في الأمر أن الأغلبية الساحقة من الأحزاب وقادتها كانوا أعضاء في جبهة التحرير الوطني، من عباسي مدني إلى أحمد بن بلا إلى حسين آيت أحمد، إلى رضا مالك، إلى قاصدي مرباح… ووصل عددها حوالي 50 حزبا، وهو تعبير عن طفرة حزبية نتجت عن معاناة طويلة من هيمنة الحزب الواحد…
مولود حمروش
لقد خصصنا، جزءا كاملا لمسألة الصراع العسكري السياسي، لأننا افترضنا منذ البداية اعتباره صراعا محددا، حاسما في مسيرة الجبهة، مسؤولا أولا عن حالة الضعف الشديد والانحطاط الذي تعيشه بعد سنوات الهيمنة والاشعاع، حينما مثلت الجبهة في الخمسينات وبعض سنوات الستين أسطورة وملحمة بطولية ونموذجا لحركات التحرر في العالم. وتأكد هذا الافتراض في خاتمة بحثنا في هذا الجزء. لقد انتهت الجبهة كحزب سياسي رسميا في 19 حزيران/يونيه 1965، وتحولت إلى مجرد جهاز إداري ملحق بالجيش، وضعفت هذه الإدارة بمجرد فصلها عن المؤسسة العسكرية.
في خاتمة هذا الجزء يصبح من المشروع التساؤل، هل يشهد هذا الحزب التاريخي طورا جديدا في حياته السياسية؟ أفلا يمكن القول أن انسحاب الجيش منه، وخروجه من ممارسة السلطة إلى دور المعارضة فرصة جديدة له لاعادة هيكلة نفسه وبناء أجهزته بأسلوب ديموقراطي افتقده أثناء فترة حكمه؟.
دعم هذا الطرح المتفائل، الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني،عبد الحميد مهري وصرح مرة “لم تكن الجبهة قبل سنة 1988 حزبا سياسيا، بل كانت جهاز دولة يقوم بوظائف سياسية. وبعد دستور 1989، تخلصت من هذه المهمة، وعادت إلى منابعها الأولى” . لكن سرعان ما عادت جبهة التحرير الوطني تحت قيادتها الجديدة إلى الارتباط من جديد بالمؤسسة العسكرية، أي السلطة الفعلية.
يتبع
هجمة إعلامية موجهة ضد الجزائر، عبر قنوات تبث من لندن وعواصم أخرى أوروبية أخرى، علاوة أن دولا خليجية كقطر والسعودية لا تترك شاردة أو واردة، ولا خبر سيئا عن الجزائر، إلا وتقيم حملة ضدها.