داعش تضرب في قلب باريس فهل تدخل فرنسا في تحالف موضوعي مع دمشق وموسكو؟ بقلم رياض الصيداوي
نشرت بواسطة: التقدمية
في آخر خبر, ثقافة وفنون, رئيس التحرير, رئيس التحرير, ملفات سرية
20 نوفمبر 2015
0
394 زيارة
دعاني معهد العالم العربي في باريس يوم 21 ماي 2015 الماضي لإلقاء محاضرة عن “الحرب الأهلية الثانية في ليبيا” باللغة الفرنسية أمم جمهور عربي وأوروبي كثيف. وأذكر أنني نبهت في ختام محاضرتي مستنتجا أن “داعش” ستصل إلى فرنسا وأوروبا وستضرب بقوة مثلما ضربت في تونس وفي مصر وسوريا والعراق. وتساءلت كيف تترك “داعش” سرت في ليبيا تصول وتجول بسياراتها ومصفحاتها ودباباتها ومدافعها وراياتها السود دون أن يعترضها أحد. فلم يتحرك الأسطول الساس الأمريكي لضربها ولا قوات الحلف الأطلسي لقصفها وإزالتها من الوجود. كانت “داعش” ليبيا تقتل وتنكل بالليبيين الذين لم يتدخل أحد لحمايتهم رغم أن كل الشعب الليبي مازال تحت قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي ينص على ضرورة استخدام كافة الوسائل لحماية الليبيين.
لماذا التساهل مع “داعش”؟
لقد تم ترك “داعش” تصول وتجول في مدينة سرت في ليبيا كما في الموصول في العراق كما في الرقة في سوريا تحت أنظار الأقمار الصناعية الأمريكية وعلى مرمى من صواريخ توماهوك والقاذفات بي 52 العملاقة… كان انشغال الدوائر الغربية في واشنطن وباريس ولندن هو الرئيس السوري بشار الأسد والدولة السورية والجيش العربي السوري أكثر من الانشغال بمقاومة الإرهابيين. بل حتى أن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في جامعة هارفرد التي قال فيها أن قطر والسعودية وتركيا قد صنعوا ومولوا “داعش” لم يتم نشرها إعلاميا على نطاق واسع وبقيت محدودة الانتشار. كان كل “داعشي” يصل إلى سوريا أو إلى العراق يمر بالضرورة عبر المطارات والأراضي التركية أي بعلم أجهزة مخابرات وأمن أنقرة.
وكانت أجهزة الاستخبارات القطرية والسعودية تتكفل بالتمويل والنقل وقبل ذلك بالتجنيد عبر شيوخها الذين شحنوا شبابا صغير السن وأرسلوه إلى محرقة سوريا والعراق. وأغراهم الشيخ الوهابي السعودي محمد العريفي بوجود ملائكة بيض على جياد بيض تقاتل في سوريا ضد الجيش العربي السوري.
الهدف إسقاط بشار الأسد ولكن…
أموال طائلة وأجهزة مخابرات عربية ودولية وشيوخ محترفين وإعلام مجند هدفه المركزي إسقاط الدولة والجيش والقيادة في سوريا. إلى أن جاء التدخل العسكري الروسي ليضرب بسرعة معاقل “داعش” و”جبهة النصرة” و”جيش الفتح” وكل التنظيمات الإرهابية في سوريا. والغريب أن عواصم عربية مثل الدوحة والرياض وغربية مثل واشنطن وباريس ولندن اتهمت القوات الجوية الروسية بأنها تقصف في تنظيمات معارضة معتدلة. وكانت “جبهة النصرة” وهي تنظيم القاعدة في سوريا تعتبر تنظيما معتدلا حسب هذه العواصم. حتى أن قناة “الجزيرة” خصصت لها برامج دعائية تثمنها وتنزهها عن الإرهاب. كان الهدف المقدس للجميع هو إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. بل وصل الأمر إلى أن رفعوا شعار “لا داعش ولا بشار”. ولم يقولوا حتى لا للقاعدة في سوريا أو كل هذه الجماعات الإرهابية.
يبدو أن العملية الإرهابية التي حدثت في باريس ستجعل فرنسا تراجع مواقفها في سوريا وفي العراق وفي ليبيا كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية بعد عملية 11 سبتمبر 2001 عندما استوطنت “القاعدة” في “تورا بورا” في أفغانستان لتصول وتجول مع طالبان دون أي إزعاج ما دامت قد أدت دورا جيدا في هزيمة الاتحاد السوفياتي. أما بعد 11 سبتمبر فإن قاذفات البي 52 وصواريخ توماهوك كروز قد دكوا “تورا بورا” دكا وسووها بالأرض. فرنسا أيضا استيقظت اليوم على هول الفاجعة وبدأت في قصف “داعش” في “الرقة” جنبا لجنب مع القوات الجوية الروسية والقوات الجوية السورية. وبدأت الأصوات تتعالى لضرورة التعاون مع الجيش الروسي وبالتالي الجيش السوري ضد “داعش”.
تفاصيل مأساة باريس
على المستوى الداخلي، أعلنت مصادر بالشرطة الفرنسية يوم الأربعاء 18 نوفمبر 2015 أن عملية مكافحة الإرهاب بضاحية باريس بمدينة “سان دوني” قد انتهت، وهي عملية مداهمة ضخمة شنتها قوات النخبة في الشرطة الفرنسية بحثا عن أحد أهم المشتبه بهم في اعتداءات باريس الأخيرة، وقد قتل فيها اثنان أحدهما انتحارية فجرت نفسها بعد أن قامت بإطلاق الرصاص على الأمن من سلاح كلاشينكوف..
وقتل اثنان من المشتبه بهم أحدهما امرأة فجرت نفسها في سابقة في فرنسا، فيما بقي مشتبه به واحد على الأقل متحصنا في الشقة الواقعة في وسط سان دوني، على ما أفادت مصادر في الشرطة.
وأكدت النيابة العامة في باريس مقتل انتحارية “فجرت سترتها الناسفة عند بدء الهجوم”، وأشارت إلى توقيف خمسة أشخاص.
وأصيب ثلاثة شرطيين على الأقل في العملية التي استهدفت الجهادي البلجيكي عبد الحميد أباعود الذي يشتبه بأنه مدبر أعنف اعتداءات في تاريخ فرنسا.
وقتلت الهجمات المنسقة في باريس 129 شخصا على الأقل، وكانت الأكثر وحشية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وربط المحققون سريعا الهجمات بخلية متشددة في بلجيكا على صلة بتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
من هو عبد الحميد أباعود؟
يعتقد المحققون الفرنسيون أن عبد الحميد أباعود، المغربي الأصل، البلجيكي الجنسية، هو العقل المدبر وراء هجمات باريس التي قتل فيها 129 شخصا. ويعتقد أن عبد الحميد أباعود موجود الآن في سوريا مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
نشأ أباعود، البالغ من العمر 27 عاما، في مدينة بروكسل، في حي مولينبيك المعروف بساكنيه من المهاجرين العرب، الذين يعانون من البطالة، وازدحام المساكن. وأباعود شريك لصلاح عبد السلام، الذي تمكن من الفرار والذي فجر شقيقه إبراهيم نفسه في هجمات باريس.
وقتل إبراهيم في حانة “كومبتوار فولتير”، دون أن يقتل أحدا، بينما نفذ متشددون ستة آخرون هجمات انتحارية دموية في مناطق أخرى. ويعتقد أن تنظيم “الدولة الإسلامية” جندهم جميعا. وكان أباعود وصلاح عبد السلام قد سجنا في بلجيكا في 2010 لإدانتهما بسرقة أسلحة.
لكن أباعود، واسمه الحركي هو أبو عمر البلجيكي، انضم إلى تنظيم الدولة في أوائل 2013.
وليس من الواضح متى أصبح أباعود متشددا. وتفيد وكالة أنباء أسوشيتد برس بأنه درس في أفضل مدارس بلجيكا الثانوية، وهي مدرسة “سان بيير دوكل.”
وكان على صلة بمهدي نموش، وهو المتشدد الجزائري-البلجيكي، الذي قتل أربعة أشخاص في متحف يهودي في بروكسل في مايو 2014.
وأمضى نموش وقتا في حي “مولينبيك”، وهي منطقة يقر مسؤولون بلجيك بأن الإيدويولوجية السلفية المتشددة تنتعش فيها بين الشباب المسلمين.
وقال أباعود في مقابلة مع مجلة “دابق” التي يصدرها تنظيم “الدولة الإسلامية” بالإنجليزية إنه عاد سرا إلى بلجيكا مع اثنين آخرين، وإنهم أنشأوا “منزلا آمنا” هناك، بينما كانوا يخططون لتنفيذ “عمليات ضد الصليبيين”.
وأضاف “المخابرات تعرفني من قبل، إذ إنني كنت مسجونا لدى السلطات”، مشيرا أنه تمكن من الهرب عقب غارة فيفيير. وقال “بل لقد استوقفني ضابط، وتأمل فيّ لأنه كان يقارنني بصورة معه، لكنه تركني أذهب، لأنه لم ير شبها بيني وبين الصورة. ولم يكن هذا سوى نعمة من الله”.
وأظهر فيديو لتنظيم “الدولة الإسلامية” في 2014 أباعود وهو في مركبة تجر أشلاء بعض القتلى وراءها.
ويرتبط أباعود أيضا بهجوم فاشل حدث على متن قطار في شهر أوت 2015. فقد تمكن الركاب من السيطرة على مسلح يدعى أيوب الخزاني في القطار شمالي فرنسا. ووضع المحققون في تلك الحالة أباعود بين المشتبه بهم في تدبيرها. وكان أباعود مكرسا نفسه للجهاد حتى أنه أقنع شقيقه البالغ من العمر 13 عاما بالالتحاق به في سوريا”.
السبب العميق هو الجهاد في سوريا
نحن أمام أسطورة إرهابية نستشف منها أن الدول الأوروبية لم تكن حازمة في السنوات الأولى من الأزمة السورية لمنع تدفق الإرهابيين إلى هذا البلد. فقد كانت تغض الطرف لأنها تعتقد أن الهدف “حميد” مثلما كانوا يعتقدون في الثمانينات من القرن الماضي أن التعبئة والجهاد ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان عمل يشجع عليه لأن الهدف الأساسي هو القضاء على الشيوعية في العالم. لقد تم عقد مؤتمرا في القاهرة أيام حكم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي دعي فيه الشباب العربي والمسلم للنفير والجهاد في سوريا وكان القرضاوي حاضرا كما كان الشيخ العريفي من أكثر المتحمسين للجهاد ضد الدولة السورية… وكانت قنوات آل سعود وآل ثاني تعزف أيضا نفس المعزوفة وكان أغلب الإعلام الغربي أيضا مسايرا لهذه الموجة التي “شيطنت” النظام في سوريا. لكن وقوف روسيا والصين ودول “البريكس” مع دمشق عطل المخطط وأوقفه.
استثناءات فرنسية شجاعة
وفي فرنسا حدثت استثناءات لمثقفين وسياسيين فرنسيين رفضوا ما يحاك ضد سوريا من وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان ديما الذي قال في حوار تلفزيوني أن واشنطن ولندن طلبا منه ومن فرنسا الانضمام الى تحالف يعد مخططا مسلحا ضد سوريا قبل اندلاع “الربيع العربي” بسنوات … لكنه رفض الانضمام إليهما باسمه وباسم فرنسا. وكذلك كانت مواقف كل من الزعيم اليساري بيار شوفنمان والزعيم الديغولي دومنيك دو فيلبان واضحة في رفضها للمؤامرة على سوريا. وحتى مارين لوبان و”الجبهة الوطنية” وهي تمثل اليمين المتطرف إلا أنها رفضت تماما ما يحاك ضد سوريا لأن كثيرا من العواصم لم تستفد من دروس الماضي من أفغانستان إلى ليبيا…
اليوم بعد عملية باريس الإرهابية بدأت أصوات فرنسية أيضا تتعالى بوجوب الذهاب إلى مصدر الداء وهما قطر والسعودية البلدان اللذان يمولان الإرهاب فكرا وعملا في أماكن كثيرة من العالم. “فداعش” في نهاية المطاف هي فكر وهابي تكفيري يحقد على البشر فيقتلهم وعلى الآثار فيدمرها… وسبق لإيف بونيه رئيس المخابرات الداخلية الفرنسية السابق الشهيرة “بالدي أس تاي” أن كتب في صحيفة “لومند” اليومية أن قطر والسعودية يمولان الإرهاب في فرنسا وفي أوروبا وفي العالمين العربي والإسلامي… فهل استيقظت فرنسا اللائكية نهائيا من غفوتها أم أن لمال آل سعود وآل ثاني تأثير مستمر لتواصل في غيبوبتها؟ وهل تتجه للتحالف مع روسيا لضرب “داعش” وبالتالي تقترب من دمشق وتفهمها؟ فرنسا جاك شيراك التي وقفت مع عراق صدام حسين سنة 2003 وهددت واشنطن باستخدام “الفيتو” كانت حجتها أن حزب البعث الحاكم في العراق حزب علماني، فهل أن حزب البعث الحاكم في سوريا حزبا وهابيا أم إخوانيا؟
مقال نشر في جريدة الشعب عدد الخميس 19 نوفمبر 2015
2015-11-20
عن التقدمية
مقالات مشابهة