قانون المصالحة الاقتصادية: وعي سياسي تونسي جديد ثار على ثنائية الصراع العلماني الإسلامي الدنكوشيتية بقلم رياض الصيداوي
نشرت بواسطة: التقدمية
في آخر خبر, ديموقراطية عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير
14 سبتمبر 2015
0
786 زيارة
انقسام سياسي مفيد وإيجابي يحدث هذه الأيام في تونس بين أنصار “المصالحة الاقتصادية” من جهة والرافضين لها من جهة أخرى. فمن يناصرها هم من الرباعي الحاكم والأحزاب القريبة منهم ومن يعارضها هي القوى اليسارية والقومية والتقدمية ومنظمات المجتمع المدني الشهيرة وكذلك الحركات الاجتماعية. لقد تخلصت تونس من صراع سابق اندلع بعد الثورة ودار حول ثنائية علماني أو إسلامي. اليوم التقى حزب النداء مع حركة النهضة في الحكم أولا وفيما نتج عنه ثانيا من تحالفات سياسية واقتصادية واجتماعية. إذن الجدل والصراع الاقتصادي الاجتماعي الجديد صحي ومفيد للمجتمع التونسي وللوعي السياسي. ففي نهاية المطاف الصراع الحقيقي هو حول المصالح المادية للأحزاب والتنظيمات التي من المفترض أن تدافع عن الفئات الاجتماعية التي تعبر عنها.
وأخيرا تخلصنا من معارك ثنائية العلماني الإسلامي “الدنكوشيتية” لندخل إلى مرحلة جديدة من الصراع الجاد وهو الصراع الاجتماعي الاقتصادي. هذه نقطة إيجابية تسجل لصالح هذا الحراك الجديد.
كتلتين متناقضتين
يمكننا الآن تقسيم أطراف هذا الصراع الجديد إلى كتلتين: الأولى تؤمن بالبراغماتية والعقلانية الاقتصادية ويدعمها رجال الأعمال والتحالف الحزبي الحاكم اليوم. والثانية كتلة “الثورة” الحالمة بعدالة اجتماعية والتي تعتقد أنها إذا خسرت هذه المعركة فلن يبقى للثورة الاجتماعية السياسية في تونس غير “حرية الصراخ الشكلي” في وسائل الإعلام. وهذه الكتلة تدرك جيدا أن الشعب التونسي مازال يعيش ما نسميه في سوسيولوجيا الثورة “بالحمى الثورية” أي أن المواطن مستعد للعودة إلى التظاهر والاحتجاج إلى أن يقلب الطاولة على من يحكم.
“الحمى الثورية” ارتبطت بكل الثورات تقريبا. ففي فرنسا مثلا استمرت لأكثر من قرن من الزمن منذ ثورة 14 جويلية 1789 بل بعضهم يعتبر حتى انتفاضة الشباب في ماي 1968 امتدادا لهذه “الحمى الثورية”. هذه الكتلة تدرك أن المواطن التونسي أصبح غاضبا وحانقا بسبب فقدانه لطاقته الشرائية وان الطبقة المتوسطة، وهي العمود الفقري لأية ديموقراطية يمكن أن تحدث في العالم، بدأت تفقد في أغلب امتيازاتها وتنحدر اجتماعيا. ولأن أغلبيتها من الطبقة الشغيلة: موظفين أو عملة فهي لم تعد تقبل أن تدفع بمفردها الضرائب التي تمول خزينة الدولة في حين يواصل رجال الأعمال تهربهم الضريبي.
وفي المقابل فإن الكتلة الأولى تستخدم خطاب البراغماتية العقلانية اقتصاديا. وترفع شعار انهيار السياحة في تونس وهروب الاستثمارات الأجنبية وتعطيل أنشطة رجال الأعمال الذين أدانتهم الثورة سيفاقم من الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتأزم في تونس… وأننا سنبقى في دائرة مفرغة لأن الفاعلين الاقتصاديين تم تعطيلهم. وإن الثورة انتهت والآن يجب التركيز على العمل والإنتاج والاستثمار.
بعض الأمثلة
عمليا نجد من المعبرين عن هذه الكتلة مثلا الأمين العام لحزب “نداء تونس” محسن مرزوق الذي أرجع تخوف البعض من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، إلى ما اعتبره وجود مصالح ضيقة، وفق تعبيره.
وقال مرزوق في حديث لصحيفة الشروق الصادرة يوم الاربعاء 2 سبتمير2015: “اعتقد أنه يمسّ بمصالح البعض الذين يريدون التمعّش باسم الثورة من قبل رجال الأعمال وابتزازهم”، وفق تعبيره.
وأضاف: “وسيأتي اليوم الذي ستكشف فيه حالات من هذا النوع حتى يتبيّن للرأي العام حقيقة بعض السلوكيات باسم الجملة الثورية”.
مساند آخر لكن بنوع من التحفظ لوجوب التعديل وهو وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين ابراهيم الذي قال: “إن قانون المصالحة الاقتصادية سيشمل كل الموظفين في الدولة وكل من له علاقة بالسلطة، ويشمل كل الموظفين في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي كل المجالات، مضيفا انه ملف مترابط والهدف هو الخروج بمصالحة لخدمة البلاد والتخلص من الفساد.”
واعتبر ياسين ابراهيم، في تصريح لصحيفة “الصريح”، في عددها الصادر اليوم الاربعاء 2 سبتمبر 2015، أن المصالحة ليست سهلة وأنه سيقدم اقتراحا يتعلق بالمدة التي تم رفعها لدراسة الملفات والتي تم تحديدها بـ 6 أشهر، وهذه مدة غير كافية ومن الأفضل أن تكون المدة سنة كاملة، ومن لا يتقدم للمصالحة لا يجب أن يتم فسخ ملفه، قائلا:” علينا أن نسعى لتكون المصالحة على أسس ناجحة”.
وأضاف الوزير أنه يجب أن يكون هناك قانون واضح قادر على تقوية قانون المصادرة ولا يترك فيه فراغات، لأن ملف المصادرة بدوره من الملفات الهامة والضرورية وقد حصلت مؤخرا عديد الطعون في هذا القانون.
وقال وزير التنمية والاستثمار: ” لذلك إن أردنا أن يكون مشروع المصالحة ناجحا فمن الضروري أن يكون هناك قانون واضح …ويجب أن يدرك الجميع أن تونس تحتاج إلى وضع اليد في اليد من أجل مرحلة قادمة ناجحة”.
موقف راشد الغنوشي
أما رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فقد قال في برنامج “ستويو شمس” إن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي قدمه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي غير مرفوض مبدئيا لكنه يحتاج إلى تعديلات.
وأضاف “ندعم الفكرة وفي تفاصيلها نظر سنقوم به مع شركائنا في الحكومة والبرلمان من أجل وضع مشروع المصالحة في إطار لا يتنافى ولا يتداخل مع مشروع العدالة الانتقالية”.
وشدد ضيف شمس أف أم على أن المحاسبة هي الخطوة الأولى للمصالحة، مصرحا في هذا الصدد “نعم لازم المحاسبة وما فماش افلات من العقاب لكن ليس بروح الانتقام والتشفي والثأر”.
الكتلة الرافضة
وفي المقابل فإن كتلة رفض مشروع قانون المصالحة الاقتصادية تتصدرها من الأحزاب الجبهة الشعبية المعارضة الرافضة لمشروع القانون المصالحة حيث دعت إلى التعبئة من أجل إفشاله. واستنكرت في بيان صادر عنها “إصرار الائتلاف الحاكم على تمرير مشروع قانون يلقى معارضة واسعة ينسف مسار العدالة الانتقالية المنصوص عليها في الدستور ويتجاهل المساءلة والمحاسبة قبل الحديث عن أية مصالحة”. ومع الجبهة نجد أحزاب حركة “الشعب” وحزب “المؤتمر” وغيرهم. ولكن بخاصة منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية والشبابية…
أما على المستوى الدولي فقد طالبت منظمة الشفافية الدولية “ترانسبارنسي” برفض المشروع في صيغته الحالية بدعوى أنه “سيؤدي إلى تبييض الفاسدين ووقف الملاحقات القضائية ومحاكمات المسؤولين السابقين ورجال الأعمال المتورطين في الفساد”.
وأضافت المنظمة في بيان لفرعها بتونس “إن المشروع لا ينص بوضوح على كيفية التصريح بالمبالغ المنهوبة ولا يتضمن أيّ فصل يُجبر المتورّطين في الفساد على الإفصاح عن أتباعهم أو المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى الذين ساعدوهم على اختلاس الأموال وبذلك سيمكّن الفاسدين من الإفلات من العدالة”.
“غير أن الرئيس التونسي باجي قائد السبسي يبرر طرح هذا المشروع بضرورة الاسراع بمسار العدالة الانتقالية وإزالة العوائق أمام الاستثمار واسترجاع مبالغ تونسية كبيرة مجمدة في البنوك الأوروبية وتشجيع المستثمرين وبينهم المتوّرطون في قضايا فساد، شرط الاعتذار للشعب والعمل بشكل قانوني”
و”يذكر أن الكثير من رجال الأعمال ممن دارت حولهم شبهات الفساد يقبعون في السجن دون أن توجه لهم أي تهم ولم تتم مقاضاتهم حتى اليوم. كما أن هناك فئة أخرى من رجال الأعمال يوجدون في وضع شاذ إذ يُمنعون من مغادرة تونس”.
الجدل الإيجابي
تونس تعيش اليوم جدلا إيجابيا في كل الأحوال. يدخل طبقاتها السياسية مرحلة ناضجة في الصراع حول المواضيع الاجتماعية الاقتصادية. ويبدو أن خصوم الأمس أصبحوا حلفاء اليوم. كما أن حلفاء الأمس أصبحوا خصوما اليوم. كل ذلك لأن الصراع دخل إلى حلبته الحقيقية وخرج من الحلبة المزيفة التي استنزفت كثيرا من التونسيين وهي اليوم تستنزف بلدانا عربيا كثيرة لم تدخل عصر الحداثة السياسية مثل تونس.
والثورة التونسية التي رفعت شعارا إنسانيا خالدا “شغل، حرية، كرامة وطنية” تبتعد اليوم عن جانبها الاجتماعي عبر الأحزاب التي نجحت وأدارت البلاد سواء “الترويكا” أو الرباعي. سيطرح كثير من التونسيين سؤال ولماذا ثرنا إذن؟ وتسببنا في انتقال العدوى إلى بلدان عربية كثيرة أصبحت مرتعا للفوضى والدم اليوم بسبب دخول الدوائر الاستعمارية فيها على الخط.
فكروا لمصلحتكم الحقيقية
رجال الأعمال في تونس عليهم التفكير أن ثرواتهم لم يرثوها من أقرباء لهم في الصين أو كوريا وإنما جمعوها في تونس. و”الثورة التونسية” لم تؤمم ممتلكاتهم كما فعلت ثورات اجتماعية أخرى. وللأسف تونس لم تطبق إلى حد اليوم الديموقراطية الاجتماعية مثل بلدان أوروبا الغربية حيث يتم إعادة توزيع الثروة عبر دولة الرعاية الاجتماعية وبالتالي عبر الجباية العادلة. إن عدم دفعهم الأموال اللازمة لتمويل الدولة التونسية أولا ودولة الرعاية الاجتماعية ثانيا سيوتر الحالة الاجتماعية أكثر في ظل “الحمى الثورية” السائدة. فعليهم اتباع مصالحهم بعيدة المدى مثلما فعل نظرائهم في أوروبا منذ عقود طويلة من الزمن. إن السلم الاجتماعي يمكن شراؤه عبر إعادة توزيع الثروة عبر منظومة جبائية تصاعدية عادلة.
مقال جريدة الشعب ليوم الخميس 10 سبتمبر 2015
2015-09-14
عن التقدمية
مقالات مشابهة