لغز-14-جانفي-لا-يُفكّ-إلا-مع-علي-السرياطي

الرئيسية » آخر خبر » لغز 14 جانفي لا يُفكّ إلا مع علي السرياطي ورشيد عمار على طاولة واحدة! بقلم رياض الصيداوي

لغز 14 جانفي لا يُفكّ إلا مع علي السرياطي ورشيد عمار على طاولة واحدة! بقلم رياض الصيداوي

في آخر خبر, ثورات عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير

14 يناير 2015
0
843 زيارة

TUNISIE 1 19122014 ELECT 2أصدر القضاء العسكري التونسي يوم السبت الماضي أحكامه في عدة قضايا من بينها قضية قتل متظاهرين في تونس العاصمة وصفاقس خلال الثورة.
الأحكام كانت مفاجأة لأسر الشهداء والجرحى. ومن أبرزها الحكم على مدير الأمن الرئاسي السابق علي سرياطي بالسجن لمدة ثلاث سنوات في احدى هذه القضايا وكذلك على وزير الداخلية السابق رفيق بلحاج قاسم، حسب ما أعلن وكيلهما المحامي عبادة الكافي لوكالة فرانس برس.
وحكم على القائد السابق للقوات الخاصة جلال بودريقه في محكمة البداية بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة القتل العمد وقد خفف الحكم في المحكمة الاستئنافية إلى ثلاث سنوات بعد تصحيح بعض الوقائع وعدم تعريض أي شخص للخطر، حسب ما أعلنه وكيله المحامي محمد علي غريب.
«وفور الإعلان عن الأحكام احتج أفراد عائلات الضحايا الغاضبون عليها معتبرين أنها متساهلة جدا ما أدى إلى تعليق جلسة المحكمة بعد مصادمات وقعت مع قوات الامن، حسب مصور وكالة فرانس برس في المكان».


الإفراج عن المعتقلين المتهمين في قضايا شهداء وجرحى الثورة شكل صدمة للرأي العام التونسي. لأنه لم يبق من الثورة التونسية شيء يُذكر. آخر حلقاتها هي محاكمة من قتل ومن جرح. الرأي العام يطرح أسئلة مشروعة اليوم: ماذا ربحنا من ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011؟ شعار «الشغل» لم يتحقق بل حدث العكس وهو تفاقم البطالة وزيادة جنونية في الأسعار وانهيار للقدرة الشرائية للطبقتين المتوسطة والفقيرة. مع ترسيخ خيارات «الرأسمالية المتوحشة» التي ينادي بها صندوق النقد الدولي.
الرأي العام بدأ اليوم يطرح سؤالا هل حدثت أصلا ثورة في تونس؟ إذا كان جرحاها يُواجهون بالعصيّ في مقر وزارة حقوق الإنسان نفسها؟ وهل من حكم تونس منذ 14 جانفي إلى اليوم له علاقة بالثورة الاجتماعية التي حدثت في سيدي بوزيد والمكناسي وتالة والقصرين و…

chaab 1742014 souryatiلغز مساء 14 جانفي 2011


يبدو أننا لم نعرف إلى اليوم تفاصيل ما حدث مساء 14 جانفي وفي الأيام الأولى التي أعقبته. من الواضح أن انقساما حدث بين النخب الحاكمة. على المستوى السياسي نجد مجموعة بقيت مع بن علي وأخرى انقلبت عليه. الذين اعتقلوا منذ الأيام الأولى مثل محمد الغرياني ورفيق بلحاج قاسم وعبد العزيز بن ضياء يبدو أنهم كانوا أوفياء لبن علي إلى آخر لحظة… أما الوزراء الذين استمروا بشكل عادي بل وأسسوا أحزابا يبدو أنهم كانوا جزءا من «الانقلاب» على بن علي. في ما نسميه ب«الحالة الثورية» يجب توفر ثلاثة عوامل في نفس الوقت حتى تنجح الثورة وهي: أولا: راديكالية المعارضة الشعبية ومطالبتها برحيل النظام بدل إصلاحه. ثانيا: تفكك النخب الحاكمة وانقسامها على نفسها. ثالثا موقف الجيش: لا بد من حياد الجيش أو خيانته للنظام.
العامل الثاني والثالث هما اللذان يعنياننا أكثر في هذا المقال.

فرنسا تقول بانقلاب أمريكي في تونس


في نشرة أخبار القناة الأولى الفرنسية تي أف 1 تحدثت المذيعة بصراحة مدهشة أن حقيقة ما حدث في تونس تم الكشف عنه وهي أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نظمت انقلابا شارك فيه رشيد عمار وكمال مرجان ضد زين العابدين بن علي. وسبق ذلك يوم 12 جانفي2011 أن نشرت وكالة الأنباء الفرنسية برقية تحليلية مطولة شهيرة تقول فيها «إنه من المستبعد جدا سقوط نظام بن علي.. وإذا كان ثمة نوع من عدم الارتياح لدى المؤسسة العسكرية فإن أجهزة الأمن متماسكة..».
وجهة النظر الفرنسية تجاه ما حدث في تونس يجب الأخذ بها بعين الاعتبار أولا ولكن بوصفها وجهة نظر باريس ثانيا. لأن ما حدث يوم 14 جانفي داخل النظام مازال لغزا كبيرا إلى حد اليوم.

السرياطي ورشيد عمار أكثر الناس علما


أعتقد أن أكثر الناس إلماما بما حدث يوم هروب زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية هما شخصيتان محوريتان: علي السرياطي مسؤول الأمن الرئاسي الأول ورشيد عمار القائد الميداني للمؤسسة العسكرية. اعتقال علي السرياطي وتحميله ما حدث من قتل وجرح لمواطنين تونسيين جعله يناور على جبهة أنه يمتلك معلومات كثيرة يمكنها أن تعيد تركيب مشهد يوم 14 جانفي وما تبعه.. وكذلك الحوارات الساخنة التي أدلى بها ابنه.. الرجل بعبارة أخرى هدد بكشف أسرار قد تقلب الطاولة على الجميع. وبالتالي إيجاد صيغة مناسبة للإفراج عنه يمكنها أن ترضي أكثر من طرف.
ما زاد الطين بلة هو أيضا الحوار الذي أثار ضجة كبيرة جدا والذي أعطاه المدير السابق للمخابرات العسكرية التونسية الجنرال أحمد شابير لقناة «التونسية» وقال فيه أن «جهات أجنبية كانت وراء ما حدث في تونس في العام 2011»، نافياً أن «يكون الرئيس السابق زين العابدين بن علي قد هرب تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية»، قائلاً: «لديّ قناعة بأن جهاز الأمن التونسي كان مخترقاً من جهات أجنبية خلال الأحداث التي شهدتها تونس في تلك الفترة». وأكد لنفس القناة أن «الاختراق تعكسه بعض التصرفات التي عرفتها البلاد أثناء الاحتجاجات، وخاصة منها إقدام بعض الأمنيين على الانسحاب من مواقعهم، وتسليم أسلحتهم إلى الجيش»، لافتاً إلى أن «مثل هذه التصرفات لا يمكن تفسيرها إلا بوجود اختراق أمني، وهذا الاختراق شمل شبكة الاتصالات، حيث رصدنا بعض المكالمات التي تدعو الأمنيين إلى مغادرة مراكزهم».
وجهة نظر الجنرال احمد شابير تلتقي مع وجهة نظر فرنسا. لكن الفرق أن باريس وجهت أصابع الاتهام بصراحة عبر إعلامها إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بينما شابير تحدث عن «جهات أجنبية» دون تحديد.

أين الحقيقة الكاملة؟


الإشكال مع مثل هذه التصريحات أنها ليست «تخمينات» صحافيين ولا تحليلات سياسيين وإنما هي جاءت على لسان مسؤولين سامين في أكثر الأجهزة حساسية أي المؤسسة العسكرية أو الأمنية. ومهمتنا أن نبني عليها تحليلا يفسر ما حدث.
يبدو أيضا أن ما تم كشفه ليس إلا نزرا يسيرا من الحقيقة الكاملة التي لفت يوم 14 جانفي وما بعده…
من الواضح أن عامل تفكك النخب الحاكمة وانقسامها حول نفسها قد توفر في «الثورة التونسية» لكن تفاصليه هي التي لم تتضح إلى حد اليوم. هذه التفاصيل توجد عند علي السرياطي ورشيد عمار… الاثنان فقط إذا تحدثا وجها لوجه علنا وأمام الشعب التونسي يمكنهما أن يكشفا الحقيقة كاملة أو على الأقل جزءا كبيرا من الحقيقة…
****************
ملحق فيديو نشرة أخبار القناة الأولى الفرنسية تي أف 1
https://www.youtube.com/watch?v=LtVsOIECSis

بقلم رياض الصيداوي / مقال جريدة الشعب ليوم الخميس 17 افريل 2014



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*


هل-ثمة-علاقة-بين-أزمة-الرهن-العقاري-الأ

الرئيسية » ثورات عربية » هل ثمة علاقة بين أزمة الرهن العقاري الأمريكية الاقتصادية المدمرة وأحداث “الربيع العربي”؟ بقلم رياض الصيداوي

هل ثمة علاقة بين أزمة الرهن العقاري الأمريكية الاقتصادية المدمرة وأحداث “الربيع العربي”؟ بقلم رياض الصيداوي

في ثورات عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير

29 أكتوبر 2014
0
10,231 زيارة

riadh sidaoui1أعيش في الغرب وأعرف العقل الغربي من الداخل جيدا ويؤلمني أن أرى شبابا أحمقا في غاية الحمق ونخبا مرتزقة في غاية الارتزاق همهم جميعا حرق الوطن العربي وتدميره من الداخل.

أربعة عناصر تجتمع معا لتؤدي مهمة خراب الوطن العربي على أحسن وجه:

أولا : شركات دولية عملاقة واقتصاديات رأسمالية متوحشة تعيش أزمة خانقة منذ أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر 2007 والتي يعتبرها البعض أشد من أزمة 1929. أزمة تحتاج إلى كثير من العقود التجارية لإنعاش نفسها. وكما تم حل أزمة 1929 بحرب عالمية ثانية من 1939 إلى 1945 فإن هذه الأزمة الجديدة يجب حلها عند العرب وعلى أراضيهم. الحروب تدمر كل شيئ  فيحدث بعدها البناء، أي عقود ضخمة… إن مشهد تدمير 20 طائرة مدنية في طرابلس في يوم واحد يعني أن شركتي “بوينغ” و”إيرباص” هما المستفيدان والرابحان أولا وأخيرا.

وأثناء قصف طرابلس ومن قبلها بغداد أكثر من مرة كان التركيز شديدا على المطارات والبنى التحتية للكهرباء والهاتف والاتصالات والجسور والمصانع وكل ما يفيد في عقود تجارية للشركات العملاقة العابرة للقارات…

 

ثانيا: شبابا صغير السن، في غاية السذاجة يتم التلاعب به ليكون وقودا لحروب غيره. وتغذية كل النعرات فيه من مذهبية بين شيعي وسني أو مسلم ومسيحي إلى إثنية: كردي / عربي أو عربي / أمازيغي… إلى جهوية : شمال / جنوب أو ساحل / داخل إلى مناطقية… أي شيئ يغذي الاختلاف يتم النفخ فيه حتى تصبح نارا ملتهبة تأكل الأخضر واليابس… رغم أن هذه الاختلافات موجودة في أوروبا وفي أمريكا إلا أنها أصبحت مصدرا للإثراء الثقافي وليس للاقتتال والتآكل الداخلي مثلما يحدث الآن عند العرب.

 

ثالثا: نخبا غير وطنية  مرتبطة بدول استعمارية تعمل لصالحها ومستعدة لتخريب أوطانها وهي تبدأ من رتبة رئيس دولة إلى صحافي صغير مرورا بالشيخ الكاهن الذي يقتات بفتاوى الشعوذة والخرافات وبفتاوى سياسية أوصلت يوسف القرضاوي لأن يفتي للحلف الأطلسي بقصف طرابلس ودمشق بأمر من حاكم قطر…

 

رابعا: الإخوان المسلمون المتلهفون على السلطة. تأسس تنظيمهم سنة 1928 بمصر وتلقى دعما واضحا من القوى الاستعمارية أنذاك وبخاصة بريطانيا. وكانت شركة قناة السويس الفرنسية البريطانية أول من دعمهم ماليا. ثم اصطدموا بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحاولوا اغتياله سنة 1954 في المنشية … وتحالفوا مع السعودية التي احتضنتهم وأغدقت عليهم الأموال الطائلة لتحارب بهم ومن خلالهم حركة التقدم العربية. واليوم تحتضنهم قطر الوهابية أيضا… الإخوان المسلمون هم أول من قام بانقلاب عسكري سنة 1989 في السودان لأنهم خسروا الانتخابات وجاءوا في المرتبة الثالثة بعد الصادق المهدي وسر الختم فحرك عمر البشير وحسن الترابي دباباتهم للاستيلاء على السلطة وتطبيق شريعتهم إلى اليوم. قسموا السودان وفتتوه وخربوه… والإخوان خسروا اليوم الانتخابات البرلمانية في ليبيا فبدؤوا في حرق طرابلس… هل أن الإخوان المسلمين تنظيمات ديموقراطية يمكنها تحقيق الديموقراطية والمشاركة فيها في الوطن العربي؟ أشك كثيرا في ذلك.

 chaab 23102014 usa crisis spring

انتشار الخرافات وغياب العلم

لقد  اختفي “العالم” من المشهد في الوطن العربي. عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم الاجتماع والمؤرخ وعلماء آخرون في شتى الاختصاصات ليحل محلهم “نخب” جديدة هم شيوخ ارتبطوا بحقبة الطفرة النفطية في السبعينات. “الفداوي” أي “الحكواتي” بلغة أهل المشرق أصبح يحتل المشهد بدون منازع. توارى الراحل محمد عابد الجابري أومحمد أركون أو هشام جعيط واختفى فكر المعتزلة وابن رشد وابن سيناء وأفكار الإصلاحيين من الكواكبي والطهطاوي وابن أبي الضياف… ليحل محلهم القرضاوي والعريفي وحسان وعمرو خالد … يسحرون العامة بكثرة خرافاتهم وأساطيرهم ويدعمهم في ذلك ملوك وأمراء وقنوات وأموال طائلة. أما النخب العلمية الحقيقية فقد همشتها السلطة أولا وانزوت هي ثانيا في ندوات ومؤتمرات علمية نادرة ومعزولة ولم تقدر على مخاطبة العامة لصعوبة استيعاب الخطاب العلمي أولا ولعدم اجتهادها هي ثانيا.

كم دورية علمية مختصة مثلا في علم السياسة وفي علم الاجتماع تنشر في الوطن العربي؟ مقابل موجة عاتية من الكتب والفضائيات والشيوخ والمواقع الإلكترونية الكهنوتية الممولة من نفس الجهات التي تريد الثأر من “الزمن الجميل”، زمن الخمسينات حيث انتصرت حركات التحرر الوطني العربي ضد الاستعمار وزمن الستينات حيث بدأت المحاولات الأولى في التصنيع وتحرير المرأة وإقرار العدالة الاجتماعية ونشر الفكر العلمي العقلاني ومحاربة الأمية والجهل.

ما يحدث اليوم لا تصحبه أية ثورة علمية أو فكرية أو حتى ديموقراطية. لا يوجد “روسو” أو “مونتسكيو” لتدشين عصر “فلسفة الأنوار”. كما لا توجد ثورة علمية تكنولوجية للسيطرة على الطبيعة مثلما كان حال أوروبا في القرن الثامن عشر وبقية القرون المتتالية… بل على العكس تماما توجد ردة حقيقية عن المكتسبات القليلة التي تم تحقيقها وتخريب منهجي لما تم بناؤه. من يصدق من قال “أن ثورات الربيع العربي انطلقت من عباءة يوسف القرضاوي؟”. كهنة الملوك والأمراء ينجزون ثورات لصالح من؟ الثورة الفرنسية قطعت رؤوس كهنة الكنيسة بالمقصلة كما قطعت رؤوس الملك والأمراء… لأنهم كانوا سببا في دعم الدكتاتورية وفي انتشار الجهل وفي محاربة العلم والتقدم… كانت تطارد كل كاهن يبيع “صكوك الغفران” للبسطاء الفقراء السذج من الناس ليدخلوا بها الجنة مثلما يفعل شيوخنا اليوم وهم يهددوننا “بعذاب القبر” بدل تهديد من صنع منهم “نجوما مؤثرين” ومن دفع لهم الملايين. ويمنعون التقدم العلمي وينشرون الشعوذة والخرافات وينتفعون من طبقة الإقطاعيين ملوكا وأمراء… تقريبا مثل حالنا اليوم. اليوم واجبنا المقدس هو تخليص الإسلام من كهنته الجدد. إعادة عقلانيته التي أسس دعائمها “المعتزلة” وابن رشد… وروحانيته وصوفيته… وبخاصة تخليصه من الارتزاق. “والله لارتزق بالرقص خير لي من أن ارتزق بديني” يقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه…

 

مؤشرات خطيرة

برزت مؤشرات خطيرة تطرح أكثر من سؤال. منها وثائق “ويكيلكس” التي تفضح العرب حكاما ومعارضات وبخاصة علاقة الإخوان المسلمين بواشنطن فقط ولا تقول كلمة واحدة عن إسرائيل مثلا…

مقتل أسامة بن لادن بعد 10 سنوات من البحث عنه ورميه في البحر ليأكله السمك بينما صدام حسين وجدوه بعد بضعة أشهر قليلة والقذافي رصدوه وضرب الناتو موكبه بالصواريخ. وسبق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن عرضت جثة تشي غيفارا موثقة بالصور والأفلام ليعرف كل العالم أنه قتل وأنها انتصرت على حركته… أما أسامة بن لادن فقد أكله الحوت في أعماق البحر فلا أثر لجثته. كما أعلن عن انتهاء دور “القاعدة” التاريخي وظهور فجائي وسريع لتنظيم جديد اسمه “داعش” على المسرح…

كذلك إنشاء قنوات فضائية باللغة العربية من “الحرة” الأمريكية إلى “البي بي سي العربية” و”فرنسا 24″ الفرنسية و”روسيا اليوم” وحتى الصينيون أنشؤوا قناتهم باللغة العربية … الكل كان يستعد ليوم “الحشر”، فهل كان ذلك مصادفة غريبة أم استعدادا وتحضيرا ليوم “الحشر”؟؟؟ لا اعتقد أن أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى تعيش على الصدف… وإنما تعمل بشكل منهجي وتستشرف المستقبل وتخطط له…

هذه أسئلة يجب التفكير فيها بعيدا عن “نظرية المؤامرة” التقليدية التي لا أنتمي إلى مدرستها قطعا… وإنما مدرسة العلوم السياسية التي من حقها أيضا أن تطرح الأسئلة الحائرة.

 

هل نتقدم بعد الخراب؟

ربما ثمة من يعتقد أننا سنعيد ما حدث في أوروبا في القرون من الثامن عشر حتى الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين أي حروب وصراعات دموية عنيفة ستؤدي في نهاية المطاف إلى استقرار ورفاهة في النهاية… هذا الاعتقاد خاطئ تماما لسبب أساسي وهو أن أوروبا كانت تتحارب بسلاح تصنعه هي فساهم في تقدمها من طائرات إلى وسائل اتصالات… أما العرب فيتقاتلون بسلاح يستوردونه ويدفعون ثمنه من مدخراتهم الطبيعية من بترول وغاز… وكذلك لأن مصيرهم ليس بأيديهم وأن التدخل الخارجي في شئونهم يفقدهم السيادة والوطنية في الآن نفسه. إن كل بلد يسقط سيستمر فيه الخراب طويلا. والدول العربية التي سقطت في الخراب هي التي تم ضربها من الخارج احتلالا مثل العراق أو قصفا مثل ليبيا أو تدخلا استخباراتيا مثل سوريا. العراق احتلته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2003 بدون أي سند قانوني وعبر سلسلة أكاذيب مدوية من امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل إلى علاقته بالقاعدة… دمرت دولته وهو يدفع الثمن إلى اليوم وسيدفعه لعقود أخرى…

ليبيا نفس الشيئ حالة الخراب فيها ستستمر طويلا لأنها تسعد أكثر من جهة…

إن الأساطيل وحاملات الطائرات لا تتحرك من أجل نشر الحرية والديموقراطية وإنما فقط من أجل مصالح الشركات الدولية الكبرى… والصومال شاهد على ذلك…

كان المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي يؤكد على مفهوم “القابلية للاستعمار” عند بعض العرب. اليوم وبفضل قناة الجزيرة وحاكم قطر وخبراء “العديد” و”السيلية” أصبح لبعض العرب شيئ جديد مضاف وهو “القابلية للقصف” أي أن الحلف الأطلسي يقصف العواصم العربية وهم “يهللون ويكبرون”.. هي بالأجدر “القابلية للاستحمار”…

 

هل ثمة علاقة بين أزمة الرهن العقاري الأمريكية الاقتصادية المدمرة وأحداث “الربيع العربي”؟

بقلم رياض الصيداوي

مقال نشر بجريدة الشعب عدد الخميس 23 أكتوبر 2014

 

 



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*


ماذا-فعلنا-لمحمد-بن-الذيب-العجمي-شاعر

الرئيسية » ثورات عربية » ماذا فعلنا لمحمد بن الذيب العجمي شاعر “الثورة التونسية” المنسي في زنازين دكتاتور الدوحة؟ بقلم رياض الصيداوي

ماذا فعلنا لمحمد بن الذيب العجمي شاعر “الثورة التونسية” المنسي في زنازين دكتاتور الدوحة؟ بقلم رياض الصيداوي

في ثورات عربية, حقوق الإنسان, رئيس التحرير, رئيس التحرير, فضيحة العدد, محاكمة الطغاة, ملوك وأمراء

20 أكتوبر 2014
0
1,336 زيارة

mohamed ben dheeb.jpg1في قصيدته “الياسمين: كلنا تونس” وببيت شعري واحد كشف محمد بن الذيب العجمي المستور وأزال ورقة التوت عن حاكم قطر.

 “واه عقبال البلاد التي جاهل حاكمها ويعتبر أن العز بالقوات الأمريكية” بيت شعر من قصيدة “الياسمين / كلنا تونس” لشاعر قطر العظيم كلف صاحبه السجن ب15 عاما. هذا الحكم تجاوز في قسوته كل دكتاتوريات العالم الأكثر استبدادا. وكشف بشكل واضح أن النظام القطري ما زال يعيش في القرون الوسطى وأنه في قطيعة تامة مع أي مظهر من مظاهر الديموقراطية المعاصرة. وأن مهرجاناته “لنشر الديموقراطية في الوطن العربي” هي خديعة “سريالية” لا يصدقها أحد في العالم اليوم. أما قناة “الجزيرة“التي يمتلكها دكتاتور قطر فلم تذكره حتى بسطر واحد في الشريط المتحرك. وهي تثبت أنها لا حول ولا قوة لها في أي شأن يتعلق بالحرية والديموقراطية في قطر وأنها ليست إلا شركة يمتلكها نفس الحاكم الذي يسجن الشعراء بسبب قصائد الشعر. 

الدعوة إلى ثورتين في نفس الوقت

حاكم قطر لم يغفر لابن الذيب دعوته إلى ثورتين في نفس الوقت في قطر: واحدة ضد الظلم والاستبداد المطلق المتجسدة في حكم الأمير نفسه وثورة ثانية ضد الاستعمار أي ضد الاحتلال الأمريكي لقطر عبر قاعدة “العديد” الجوية وقاعدة “السيلية” البرية. فالثورة في تونس قامت ضد الاستبداد لكن الثورة ضد الاستعمار قامت منذ زمن مثلها مثل الجزائر والمغرب وليبيا… أما قطر فقد صنعتها وزارة المستعمرات البريطانية صنعا وورثتها الولايات المتحدة الأمريكية… لذلك يشدد ابن الذيب على “ويحسب أن العز بالقوات الأمريكية” أي أن حاكم قطر يفتخر ويعتقد أن مجده جاء من تمويله لقاعدتي “العديد” و”السيلية” بنسبة ستين بالمائة حيث تنطلق منها الطائرات والصواريخ لتهدد العواصم العربية والإسلامية أو تقصف فعليا بغداد وطرابلس وكابول…

محمد بن الذيب العجمي يدعو إذن للثورة المزدوجة ضد الاستبداد وضد الاستعمار في الآن نفسه. وهذا ما يفسر عدم تبني الإعلام الغربي له سواء الأمريكي أو الأوروبي. ثمة عامل آخر أيضا وهو أن حاكم قطر دكتاتور غني جدا بالغاز يمكنه شراء إعلاميين وسياسيين وكتبة وغيره بل اشترى حتى إدارة “الفيفا” لتنظيم كأس العالم في قطر سنة 2022 في بيئة تتجاوز فيها الحرارة 45 درجة… قضية الفساد والرشوة هذه مطروحة بشدة اليوم على الرأي العام الدولي…

توفيق بن بريك كان محضوضا أن جلاده زين العابدين بن علي دكتاتور لا غاز له أما الدكتاتور الغازي شديد الثراء فتلك مسألة أخرى.

تأسيس اللجنة الدولية

لقد أسسنا مع بعض الحقوقيين “اللجنة الدولية لإطلاق سراح الشاعر القطري محمد بن الذيب العجمي من زنازين دكتاتور الدوحة” بتاريخ 22 أكتوبر 2013. وشارك في تأسيس اللجنة شخصيات حقوقية وفنية وإبداعية عربية وأجنبية. وحضيت بترؤس هذه اللجنة… وأثناء الحملة الإعلامية التي قمنا بها لفك أسر الرجل، عرفنا معنى الصدام مع دكتاتورية غازية تشتري الأخضر واليابس فتضيق دائرة المساحات الحرة… لهذا لم ننجح  كما يجب في حملة إعلامية مدوية… فحتى من تجاوب ونشر أو أذاع شيئا كان ذلك باحتشام… أتحدث هنا على المستوى الدولي. مع استثناءات طبعا وأخص بالذكر الزميل فهيم الصوراني في إذاعة “صوت روسيا”. في تونس نجحنا نسبيا في نشر الموضوع في وسائل الإعلام التي لم يصلها الغاز القطري.

ولا أخفي أن قبيلة “اليام”، قبيلة محمد بن الذيب العجمي وأصدقاؤه يعولون كثيرا على المثقفين والشعراء والإعلاميين التونسيين لتبني قضيته والدفاع عنها في كافة المنابر… فهم يذكروننا دائما بأن الرجل قد تم سجنه واضطهاده من قبل دكتاتور قطر بسبب قصيدته “كلنا تونس”. أي أن تمجيد “الثورة التونسية” والدعوة لثورة في قطر تقتدي بالثورة الأم كلفه حريته. فمعنويا ورمزيا تونس هي المسؤول الأول عن حركة تحرير ابن الذيب من زنازين دكتاتور الدوحة. لذلك يجب الإقرار إلى حد هذه الساعة أن عملية التعبئة لم تتم كما يجب ولم تكن في المستوى. ثمة شعور لدى أنصار ابن الذيب أن النخب التونسية المثقفة والإبداعية قد تخلت عنه. لا نتحدث هنا عن من تم شراؤه بالغاز القطري فأصبح “ملكيا أكثر من الملك”، أو “قطريا أكثر من قطر” وهم معروفون اليوم على الساحة. وإنما نتحدث عن من لم يتلوث بالمال القطري وبقي بعيدا عنه. هؤلاء لم يقوموا بواجبهم كما يجب بعد تجاه شاعر “الربيع العربي الحقيقي” وليس “الربيع العربي المزيف” المصنوع في أستوديوهات قناة “الجزيرة” وأروقة قاعدة “العديد”.

chaab 16102014 p5 ben dhib

من هو ابن الذيب

محمد بن راشد بن حسن بن ناصر بن الذيب ال ضاعن العجمي , شاعرقطري حكم عليه بالسجن المؤبد لنقده النظام القطري. لديه أربعة أطفال وهم الأمير حمدان ابنه الأكبر وبنتين وقد رزق بطفل وأطلق عليه اسم فزاع وهو خلف سجون دوله قطر .

الشاعر محمد العجمي، معروف أيضا باسم محمد بن الذيب، اعتقل في العام 2011بتهمة التحريض على “الثورة والإطاحة بنظام الحكم”، بعد نشر قصيدة “الياسمين”،والتي وجه فيها انتقادات شديدة للأنظمةالعربية وخصوصا نظام بلاده، قائلاً:  “كلنا تونس بوجه النخبة القمعية”.

كما تضمنت القصيدة،التي أشاد فيها بالثورة التونسية، وانتفاضات الشعوبفي كثير من الدول، فيما بات يُعرف بـ”الربيع العربي”، وانتقادات لأمير قطر،الشيخحمد بن خليفة آل ثاني.

انتقدتمنظمة العفو الدولية الحكم ووصفته ب”الحكم الفاضح”. كما أكدت، في بيان أصدرته،بعد ساعات على صدور قرار المحكمة، أن الحكم يُعتبر “اعتداءً صارخاً علىحرية التعبير.” وقال فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيمنظمة العفو الدولية، إنه “من المؤسف أن قطر، التي تسعى للظهور على الصعيدالدولي بمظهر الدولة التي تعزز الحق في حرية التعبير، تمارس فعلياً ما يبدوأنه انتهاك صارخ لهذا الحق.

كما انتقدنجيب النعيمي وزير العدل القطري السابق ومحامي ابن الذيب الحكم ووصفه بأنه “إخفاق للعدالة”.

وسبق للأمم المتحدة أن انتقدت الحكم على ابن الذيب،وأعربت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الثلاثاء عن “قلقها العميق” لسجن الشاعرفي قطر.

وقالت سيسيل بويي المتحدثة باسم المفوضية في جنيف:”إننا قلقون للطابع الظالم لهذه المحاكمة التي شابتها عيوب في الاجراءات مععقد عدة جلسات مغلقة”.

لكن على الصعيد الإعلامي الدولي لم تواكب عملية الاضطهاد حملة إعلامية يستحقها ابن الذيب. فالغاز القطري تسلل إلى دول كثيرة ووسائل إعلام وشخصيات متعددة…

mohamed ben dheeb et enfantsالشعر النبطي

محمد العجمي يستخدم عادة الشعر النبطي في هجائه ومن أبياته المشهورة جدا هذا البيت:

“دام ملوك العرب مثل الإناث، تسكنقصور العز والعالم بكوخ .. والله لأعيش العمر من دون اكتراث،  مدام لي راسمن الطناخة طنوخ .. ما عاش في بلاد العرب إلا ثلاث ، المطرب واللاعب وقواد الشيوخ “

الشاعر محمد بن الذيب العجمي صرخ صرخة مدوية في قصيدته الخالدة “الياسمين” التي نوه فيها بالثورة التونسية ودعا شعبه لأن يقتدي بها ويتخلص من دكتاتورية قطر الشمولية فكان مصيره السجن الفوري والحكم عليه بالسجن المؤبد. وبعد تحرك عالمي إعلامي وحقوق بدأ من تونس ووصل إلى باريس ولندن وجنيف تراجع حاكم قطر تحت الضغط ليخفض الحكم إلى 15 سجنا… وكان ثمة أمل في أن يطلق سراحه مؤخرا عبر المحاكمة الصورية التي أجريت له. لكن حاكم قطر ثبت الحكم. 

فلا تتركوا ابن الذيب وحيدا في سجون دكتاتورية قطر، زوجته، أطفاله الأربع، أهله، قبيلته،… كلهم ينتظرون دورا للنخب التونسية في تبني قضيته والدفاع عنه إلى أن يفك أسره.

ابن الذيب لخص مأساة العرب في قصيدته، كما لخص مأساة الشعب القطري في بيت شعري واحد… لذلك دفع ثمنا غاليا من حريته.

هذه قصيدته

يالوزير الاولـي يامحمـد الغنّوشـي
لو حسبنا سلطتك ماهيـب دستوريّـه
مابكينا بن علـي ولا بكينـا عصـره
نعتبرهـا لحظـةٍ بالعمـر تاريخيـه
دكتاتوريـة نظـام القمـع واستبـداده
اعلنت تونس عليه الثـوره الشعبيـه
ان ذممنا مانـذم الا حقيـر وواطـي
وان مدحنا نمدح بقناعـةٍ شخصيـه
أجج الثوره بـدم الشعـب ياثائرهـا
وانحت انقاذ الشعوب لكل نفسن حيّـه
قلهم في قول من كفنـه يشلّـه كفـه
كل نصرن تستبقه احـداث مأساويـه
آه عقبال البلاد اللي جهـل حاكمهـا
يحسب ان العزّ بالقـوات الامريكيـه
وآه عقبال البلاد اللي شعَبْهـا جايـع
والحكومه تفتخر في طفـرة الماليـه
وآه عقبال البلاد اللي تنـام مواطـن
معك جنسيه وتصبح مامعـك جنسيـه
وآه عقبال النظام القمعـي المتـوارث
لا متى وانتم عبيـد النزعـه الذاتيـه
ولا متى والشعب مايدري بقيمة نفس
هذا ينصـب ذا وراءه كلهـا منسـيـه
ليه مايختار حاكم بالبلـد يحكـم لـهيت
خلص من نظام السلطـه الجبريـه
علم اللي مرضيٍ نفسه ومزعل شعبـه
بكره يجلّس بدالـه واحـد بكرسيـه
لا يحَسْب ان الوطن بسمه وبسم عياله
الوطن للشعب وامجاد الوطن شعبيـه
رددوا والصوت واحد للمصير الواحـد
كلنا تونس بوجـه النخبـه القمعيـه
الحكومات العربيـه ومـن يحكمهـا
كلهـم بـلا بـلا استثنـاء حراميـه
السؤال اللي يؤرّق فكـرة المتسائـل
لن يجد اجابته من كم جهـه رسميـه
دامها تستورد من الغرب كل أشيـاءه
ليه ماتستورد القانـون والحريـه..؟؟

 

 مقال الشعب عدد الخميس 16 اكتوبر 2014

ماذا فعلنا لمحمد بن الذيب العجمي شاعر “الثورة التونسية” المنسي في زنازين دكتاتور الدوحة؟

بقلم رياض الصيداوي

 

للاتصال برئيس اللجنة الهاتف:  0041763879008 

Email: [email protected]

فيديو جديد:

 



فيديو أول

فيديو ثاني

فيديو ثالث

فيديو رابع

فيديو خامس

فيديو سادس

فيديو سابع

فيديو ثامن

فيديو تاسع

فيديو عاشر

فيديو حادي عشر

فيديو ثاني عشر

فيديو ثالث عشر

فيديو رابع عشر



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*


لماذا-استطاع-الرئيس-عبد-العزيز-بوتفلي-2

الرئيسية » آخر خبر » لماذا استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستمرار طويلا في الحكم بينما انسحب غيره من الرؤساء بسرعة؟ بقلم رياض الصيداوي

لماذا استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستمرار طويلا في الحكم بينما انسحب غيره من الرؤساء بسرعة؟ بقلم رياض الصيداوي

في آخر خبر, ديموقراطية عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير

15 سبتمبر 2015
0
1,409 زيارة

548348_10150924395063835_119622873834_12864095_1033291199_nإن نجاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات لمدة خمس سنوات أخرى مثل استثناء كبيرا جدا لقاعدة سياسية ذهبية تكررت لحوالي عقد من الزمن ومفادها أن الجزائر لم تعرف أي رئيس دولة أكمل عهدته الرئاسية وبدأ عهدة جديدة. نجح بوتفليقة في تعديل الدستور وشق المؤسسة العسكرية وإخراج ضباط كبار منها وحشد حوله أحزاب كثيرة وساعده في ذلك عائدات نفطية هائلة لم تكن متوقعة وصل فيها سعر برميل النفط إلى 147 دولار في سنة 2008. فما الذي حدث؟

لقد شهدت الجزائر منذ الأزمة السياسية الدموية التي عصفت بها على إثر إيقاف الدور الثاني للانتخابات التشريعية سنة 1991 أربعة رؤساء دولة وهم على التوالي: الشاذلي بن جديد الذي تم إجباره على الاستقالة من قبل 180 ضابطا عسكريا يقودهم اللواء خالد نزار، ثم محمد بوضياف الذي تم اغتياله بعد بضعة أشهر من ترؤسه للدولة، ثم علي الكافي الذي لم يعمر طويلا، فالرئيس اليمين زروال الذي انسحب مبكرا وقبل إنهاء عهدته. فقط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قدم استثناءا مدهشا .
وهو ما يعني استعادة مؤسسة الرئاسة لقوتها وتفوقها على المؤسسة العسكرية بعد أن ضعفت كثيرا في سنوات حكم الرؤساء المتعاقبين منذ استقالة الرئيس بن جديد.

صراع تاريخي بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة

لابد من فهم سوسيولوجي تاريخي لطبيعة هذا الصراع بين كل من المؤسسة العسكرية ورئيس الدولة. يتميز الصراع في الجزائر بكونه صراع مؤسسات أكثر منه صراع أيديولوجيات أو حتى أفراد. فهو صراع موضوعي وليس صراعا ذاتيا، مستقلا عن إرادة الأفراد ومتكررا عبر التاريخ. انحصر هذا الصراع أساسا بين مؤسستين: المؤسسة العسكرية من جهة ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى.
وقد نجح الجيش في السابق في فرض إرادته على كل الرؤساء الذين حكموا الجزائر منذ تقديم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد استقالته إلى حد وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم بعد انتخابات أبريل 1999 والتي انسحب منها منافسوه في آخر لحظة ليتركوه ينتصر وحيدا. لعله من المناسب التذكير بنتائج جولات الصراع عبر منهج كرونولوجي.

تاريخية الصراع

أولا : الشاذلي بن جديد عين رئيسا للجمهورية على إثر وفاة الرئيس هواري بومدين لكونه الضابط الأرفع رتبة والأكبر سنا. أحدث ذلك مفاجأة كبيرة لأن الجميع كان ينتظر تعيين عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية المحسوب على التيار اللبيرالى أو صاحب النزعة الاشتراكية محمد صالح اليحياوي مدير حزب جبهة التحرير الوطني. تدخل الجيش وحسم الموقف بأن فرض رجله على مؤسسة الرئاسة. لكن سرعان ما دخل هذا الجيش في صراع مستمر مع الرئيس بن جديد لينتهي الصراع في بداية عام 1992 بإرغام الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد اجتماع حاشد شارك فيه 180 ضابطا كبيرا.
ثانيا: محمد بوضياف استنجد به الجيش حتى ينقذ الجزائر بأن يقبل رئاسة الدولة. كان يمثل خيار الجيش الباحث عن شرعية لم يجدها إلا في ثورة التحرير الوطني ومثل بوضياف الاختيار الصائب، كونه صاحب أول بطاقة مناضل في جبهة التحرير الوطني وواحد من خمسة أسسوها. مضت فترة قصيرة حاول أثناءها الرئيس الجديد أن يحكم فعليا وان يفتح الملفات وأن يغير ويعزل… وصل الأمر بالمخابرات العسكرية إلى حد قطع مقاطع كثيرة من خطبه الحماسية التي يبثها التلفزيون…وحينما أزعج كثيرا تم اغتياله على يد أحد حراسه.
ثالثا: الرئيس الوحيد الذي عرف حدوده ولم يشغل نفسه بمقاومة المؤسسة العسكرية هو علي الكافي. لأنه فهم أصلا حدود القوى ولم تكن له طموحات للحكم ولا للتغيير. جاء به الجيش للرئاسة وعزله لاحقا في صمت وهدوء لافتين للنظر.
رابعا: أوصل الجيش اللواء اليمين زروال إلى السلطة، قيل سنة 1994 أنه كان مرشح الجيش وذلك قول صحيح. أراد زروال تطبيق برنامجه واستخدام كامل صلاحياته كرئيس دولة فاصطدم مع قيادة الجيش، ووجد نفسه محاصرا، عاجزا عن اتخاذ قرارات مصيرية كالمصالحة الوطنية الشاملة أو فتح ملفات الفساد والرشوة. وحينما حاول أن يقاوم ضغط الجيش وإحداث موازين قوى جديدة فيه، شنت عليه حملة غير مباشرة تمثلت في اتهام مساعده الأول الجنرال محمد بتشين بالفساد. واشتدت هذه الحملة على رئيس حكومته الذي انقلب عليه في الأخير أحمد أويحي كما مست هذه الحملة وزير إعلامه والناطق الرسمي باسم الحكومة حبيب حمراوي شوقي…وأخيرا وصلت إليه عن طريق صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية والمقربة من قيادة الأركان. استقال زروال بعد أن حصل الصدام المباشر مع قيادة الجيش.
الرئيس الوحيد الذي خاض صراعا خفيا تارة وعلنيا تارة أخرى هو عبد العزيز بوتفليقة وقد نجح في صراعه بفضل عوامل خارجية وداخلية تفاعلت معا لصالحه.

العوامل الداخلية

صرح الرئيس بوتفليقة أكثر مرة أنه ليس بثلاثة أرباع رئيس وكان ذلك مفاجأة لكل من شاهد خطابه واستمع إليه. كان يواجه ضغط وقوة هيأة أركان الجيش الجزائري وقائدها الفريق محمد العماري. تحمل هذه الضغوط المختلفة إلى أن جاءت دورته الثانية في الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2004. هنا حدث انقسام خطير في المؤسسة العسكرية حيث التزم اللواء محمد العماري بتقديم دعم خفي إلى علي بن فليس المنافس الأول لبوتفليقة إضافة إلى جنرالات آخرين يعملون أو متقاعدين ومنهم اللواء المتقاعد خالد نزار. وفي المقابل دعم اللواء محمد مدين قائد جهاز الاستخبارات العسكرية، أكثر الأجهزة نفوذا في الجيش والدولة بوتفليقة. حدث الصراع وتم الحسم ونجح الرئيس لدورة ثانية وانسحب اللواء محمد العماري نهائيا من المؤسسة العسكرية. وأدخلت تغييرات كثيفة على قيادة المؤسسة العسكرية تم بموجبها إخراج كثير من ما يسمى ب”ضباط الجيش الفرنسي”، أي الضباط الذين عملوا في الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير الوطني (1954-1962) ولم يلتحقوا بالثورة إلا متأخرا. وتم تعويض الكثير منهم بضباط الجيل الشاب، أولئك الذين تكونوا عسكريا في فترة الاستقلال في الأكاديميات العسكرية في بغداد والقاهرة وموسكو حتى سان سار في فرنسا… حدث إذن تطور داخلي لدى المؤسسة العسكرية جاء لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .
لقد كانت القاعدة في السابق تقول أن مرشح الجيش هو الرئيس الذي يحترم قراراته، لا يحاول أن يمس بتوازناته الداخلية، أن لا يتخذ القرارات الكبرى دون موافقته، أن يكون تابعا للمؤسسة العسكرية لا قائدا لها.
في حين أن المشكل مع عبد العزيز بوتفليقة يكمن في كونه ليس رجلا سهلا يقبل أن يكون مجرد ديكور في المشهد الجزائري. فشخصيته قوية وتجربته السياسية طويلة وخبرته متميزة وطموحه جارف…وصدامه مع قيادة الجيش جاء في النهاية لصالحه.

شخصية بوتفليقة

لنذكر بجذور الرئيس المترشح لدورة ثالثة. ولد عبد العزيز بوتفليقة في 2 مارس/آذار1937 بمدينة تلمسان غرب الجزائر. انظم إلى الثورة مبكرا منذ سنة 1956 حيث عمل تحت قيادة هواري بومدين العسكرية الذي اهتم به وأوكل إليه مهمات دقيقة. فعينه قائدا عسكريا برتبة رائد ولم يتجاوز سنه 18 سنة ليقود رجالا أكبر منه سنا في الجبال والمغاوير. أرسله بومدين قبل أشهر من الاستقلال سنة 1961 إلى فرنسا في مهمة سرية لإقناع محمد بوضياف بإمكانية التحالف معه لإسقاط الحكومة المؤقتة فرفض عرضه وعامله بجفاء. ونجح في اتصاله باحمد بن بلا حيث قبل بمشروع التحالف مع قيادة أركان جيش التحرير الوطني. يعد بوتفليقة أحد أعمدة “كتلة وجدة العسكرية” الأكثر صلابة وإخلاصا للقائد بومدين. شغل منصب وزير الشباب والرياضة والسياحة وعمره لا يتجاوز 25 سنة. ثم منصب وزير الخارجية إلى سنة 1979. أقنع رفاقه وقائده بضرورة إزاحة الرئيس الأسبق أحمد بن بلا. وهو ما تم في انقلاب 19 يونيو 1965. انتخب بالإجماع رئيسا للدورة 29 للجمعية العامة للأمم المتحدة. بعد وفاة بومدين مباشرة، كان واحدا من مرشحين اثنين لخلافته، من المفترض أن منافسه الأول هو محمد الصالح اليحياوي. لكن الجيش، وهو ما لم يتوقعه أحد، عين الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية على اعتبار أنه الضابط الأكبر سنا والأعلى رتبة حتى يتم التخلص من بوتفليقة.
إن الخصال التي تميز “سي عبد القادر” يمكن حصرها في امتلاكه للشرعية التاريخية التي مازالت تعد أكبر رأسمال رمزي يمكن من خلاله قيادة الجزائر. يساعده في ذلك كونه مقاتل وهب الثورة شبابه منذ بدايتها. كما أن ارتباط اسمه بالعصر الذهبي الذي عاشته الجزائر أثناء فترة حكم بومدين في النصف الثاني من الستينات والسبعينات ويثير هذا العهد لدى الجزائريين حنينا كبيرا واحتراما خاصا، فيندرج اختياره في إطار البحث عن الشرعية لدى المناضلين الأوائل.
إستراتيجية بوتفليقة
لقد استخدم الرئيس بوتفليقة في عهدته الأولى استراتيجية بسيطة ولكنها قوية وهي المواجهة المفتوحة مع بعض قادة الجيش وهاجمهم في أكثر من خطاب علنا واستخدم فصاحته اللغوية ليواجه خصومه من خلال جهاز التلفزيون الذي هيمن عليه واستعمله كمدفعية ثقيلة يدك بها معاقل بعض الجنرالات الذين ذعروا من جرأته وقدرته على المواجهة المفتوحة دون أن يقع في أخطاء الرئيس الراحل محمد بوضياف.

ضجر الجزائريين من الحرب

عامل داخلي آخر ساعد بوتفليقة في ترسيخ حكمه واستمراره الطويل يكمن في ضجر حقيقي لدى أغلبية الجزائريين، شعبا وأحزابا، عسكرا وإسلاميين من الصراع الدموي الذي حدث طيلة سنوات التسعين، ما سمي بالعشرية الحمراء، فكان ثمة إجماع على ضرورة وقف القتال. فتم الالتجاء إلى قانون الوئام المدني الذي سمح للمقاتلين الإسلاميين بالنزول من الجبال والعودة إلى منازلهم والاندماج من جديد في المجتمع.

العامل الاقتصادي وارتفاع أسعار البترول

كما ساعد العامل الاقتصادي أيضا كثيرا بوتفليقة وتصادف ذلك مع سنة وصوله إلى الحكم. حيث تحسن الوضع الاقتصادي، أي العائدات النفطية، بشكل كبير جدا منذ بداية سنة 2000. فقد صرح مدير سوناطراك عبد الحق بوحفص أن “مداخيل المحروقات نهاية حزيران / يونيو لسنة 2000 بلغت في هذا السداسي 10.16 مليار دولار. وهذا الرقم يمثل ضعف ما حقق خلال السداسي الأول من 1999 ويفوق مداخيل عام 1998 مع توقع مداخيل إجمالية لهذه السنة تفوق 20 مليار دولار” . وأضاف مدير الشركة البترولية العملاقة أن “5 اكتشافات جديدة تحققت هذه السنة : 3 من قبل سوناطراك و2 من خلال الشراكة. كما حققت الشركة نسبة نجاح فاقت 63% في مجال الاستكشاف مما يضعها في المراتب الخمسة الأولى عالميا”. وذكر أن نفس الشركة “قدمت للخزينة برسم الجباية البترولية 557 مليار دينار إلى غاية نهاية حزيران /يونيو 2000 مقابل 2.7 مليار دولار خلال يونيو / حزيران 1999 أي بزيادة نسبة 157%. كما أن قدرات الإنتاج البترولي ستتجاوز 1.5 مليون برميل يوميا. مع الأخذ بعين الاعتبار أن السوق الجزائرية لا تستهلك محليا إلا 11% من إنتاج المحروقات حيث تخصص 89% الباقية للتصدير .
وارتفعت أسعار النفط بشكل هائل في سنة 2008 لتصل إلى حدود 147 دولارا للبرميل وهو ما أنعش الميزانية الجزائرية لكنه بدأ في التراجع إلى حدود الأربعين دولارا.

تحسين صورة الجزائر على المستوى الدولي

حقق بوتفليقة نجاحا ممتازا على المستوى الدولي. فقد استطاع بفضل خبراته القديمة كوزير للخارجية أن يفك العزلة عن الجزائر وأن يعيد نسج علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدول الغربية وبخاصة واشنطن وباريس. وساعدته أحداث 11 سبتمبر 2001 كثيرا. حيث نسجت الولايات المتحدة الأمريكية علاقات قوية مع الجزائر وفتحت لها أبوابا كثيرة اقتصادية وعسكرية وسياسية كانت شبه مغلقة من قبل.

ولكن تراجع حرية الصحافة…

إن فوز بوتفليقة بولاية ثالثة وبنسبة عالية جدا يعني توطيد مؤسسة الرئاسة في مواجهة الجيش واستعداده لينتقل إلى مرحلة أخرى من الاستقرار ولكنه في الآن نفسه قد يهدد الديموقراطية الجزائرية الناشئة والتي نجحت في سنوات التسعين في تفريق السلطات على أفراد عديدين بدل مركزتها في يد واحدة. كما نجحت في نفس الفترة في رفع سقف الحريات الصحفية إلى حد كبير وبخاصة على مستوى التلفزيون والإذاعة الرسمية. ويعاب كثيرا على بوتفليقة احتكاره لمؤسستي الإذاعة والتلفزيون ومنعه لأصوات المعارضة من التعبير عن نفسها عبر الإعلام الثقيل وهي التي كانت تستطيع فعل ذلك في سنوات التسعين… رغم الحرب الطاحنة.

مقال نشره الكاتب سنة 2008

موقع رياض الصيداوي بثلاث لغات

http://www.riadh-sidaoui.net/

مدونة رياض الصيداوي
http://rsidaoui.blogspot.com

 



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*


قانون-المصالحة-الاقتصادية-وعي-سياسي-ت

الرئيسية » آخر خبر » قانون المصالحة الاقتصادية: وعي سياسي تونسي جديد ثار على ثنائية الصراع العلماني الإسلامي الدنكوشيتية بقلم رياض الصيداوي

قانون المصالحة الاقتصادية: وعي سياسي تونسي جديد ثار على ثنائية الصراع العلماني الإسلامي الدنكوشيتية بقلم رياض الصيداوي

في آخر خبر, ديموقراطية عربية, رئيس التحرير, رئيس التحرير

14 سبتمبر 2015
0
786 زيارة

hiwar tounsi 2242015 livre 7 okانقسام سياسي مفيد وإيجابي يحدث هذه الأيام في تونس بين أنصار “المصالحة الاقتصادية” من جهة والرافضين لها من جهة أخرى. فمن يناصرها هم من الرباعي الحاكم والأحزاب القريبة منهم ومن يعارضها هي القوى اليسارية والقومية والتقدمية ومنظمات المجتمع المدني الشهيرة وكذلك الحركات الاجتماعية. لقد تخلصت تونس من صراع سابق اندلع بعد الثورة ودار حول ثنائية علماني أو إسلامي. اليوم التقى حزب النداء مع حركة النهضة في الحكم أولا وفيما نتج عنه ثانيا من تحالفات سياسية واقتصادية واجتماعية. إذن الجدل والصراع الاقتصادي الاجتماعي الجديد صحي ومفيد للمجتمع التونسي وللوعي السياسي. ففي نهاية المطاف الصراع الحقيقي هو حول المصالح المادية للأحزاب والتنظيمات التي من المفترض أن تدافع عن الفئات الاجتماعية التي تعبر عنها.
وأخيرا تخلصنا من معارك ثنائية العلماني الإسلامي “الدنكوشيتية” لندخل إلى مرحلة جديدة من الصراع الجاد وهو الصراع الاجتماعي الاقتصادي. هذه نقطة إيجابية تسجل لصالح هذا الحراك الجديد.

كتلتين متناقضتين

يمكننا الآن تقسيم أطراف هذا الصراع الجديد إلى كتلتين: الأولى تؤمن بالبراغماتية والعقلانية الاقتصادية ويدعمها رجال الأعمال والتحالف الحزبي الحاكم اليوم. والثانية كتلة “الثورة” الحالمة بعدالة اجتماعية والتي تعتقد أنها إذا خسرت هذه المعركة فلن يبقى للثورة الاجتماعية السياسية في تونس غير “حرية الصراخ الشكلي” في وسائل الإعلام. وهذه الكتلة تدرك جيدا أن الشعب التونسي مازال يعيش ما نسميه في سوسيولوجيا الثورة “بالحمى الثورية” أي أن المواطن مستعد للعودة إلى التظاهر والاحتجاج إلى أن يقلب الطاولة على من يحكم.
“الحمى الثورية” ارتبطت بكل الثورات تقريبا. ففي فرنسا مثلا استمرت لأكثر من قرن من الزمن منذ ثورة 14 جويلية 1789 بل بعضهم يعتبر حتى انتفاضة الشباب في ماي 1968 امتدادا لهذه “الحمى الثورية”. هذه الكتلة تدرك أن المواطن التونسي أصبح غاضبا وحانقا بسبب فقدانه لطاقته الشرائية وان الطبقة المتوسطة، وهي العمود الفقري لأية ديموقراطية يمكن أن تحدث في العالم، بدأت تفقد في أغلب امتيازاتها وتنحدر اجتماعيا. ولأن أغلبيتها من الطبقة الشغيلة: موظفين أو عملة فهي لم تعد تقبل أن تدفع بمفردها الضرائب التي تمول خزينة الدولة في حين يواصل رجال الأعمال تهربهم الضريبي.
وفي المقابل فإن الكتلة الأولى تستخدم خطاب البراغماتية العقلانية اقتصاديا. وترفع شعار انهيار السياحة في تونس وهروب الاستثمارات الأجنبية وتعطيل أنشطة رجال الأعمال الذين أدانتهم الثورة سيفاقم من الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتأزم في تونس… وأننا سنبقى في دائرة مفرغة لأن الفاعلين الاقتصاديين تم تعطيلهم. وإن الثورة انتهت والآن يجب التركيز على العمل والإنتاج والاستثمار.

بعض الأمثلة

عمليا نجد من المعبرين عن هذه الكتلة مثلا الأمين العام لحزب “نداء تونس” محسن مرزوق الذي أرجع تخوف البعض من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، إلى ما اعتبره وجود مصالح ضيقة، وفق تعبيره.
وقال مرزوق في حديث لصحيفة الشروق الصادرة يوم الاربعاء 2 سبتمير2015: “اعتقد أنه يمسّ بمصالح البعض الذين يريدون التمعّش باسم الثورة من قبل رجال الأعمال وابتزازهم”، وفق تعبيره.
وأضاف: “وسيأتي اليوم الذي ستكشف فيه حالات من هذا النوع حتى يتبيّن للرأي العام حقيقة بعض السلوكيات باسم الجملة الثورية”.

chaab 1092015 mousalahaمساند آخر لكن بنوع من التحفظ لوجوب التعديل وهو وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين ابراهيم الذي قال: “إن قانون المصالحة الاقتصادية سيشمل كل الموظفين في الدولة وكل من له علاقة بالسلطة، ويشمل كل الموظفين في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي كل المجالات، مضيفا انه ملف مترابط والهدف هو الخروج بمصالحة لخدمة البلاد والتخلص من الفساد.”
واعتبر ياسين ابراهيم، في تصريح لصحيفة “الصريح”، في عددها الصادر اليوم الاربعاء 2 سبتمبر 2015، أن المصالحة ليست سهلة وأنه سيقدم اقتراحا يتعلق بالمدة التي تم رفعها لدراسة الملفات والتي تم تحديدها بـ 6 أشهر، وهذه مدة غير كافية ومن الأفضل أن تكون المدة سنة كاملة، ومن لا يتقدم للمصالحة لا يجب أن يتم فسخ ملفه، قائلا:” علينا أن نسعى لتكون المصالحة على أسس ناجحة”.
وأضاف الوزير أنه يجب أن يكون هناك قانون واضح قادر على تقوية قانون المصادرة ولا يترك فيه فراغات، لأن ملف المصادرة بدوره من الملفات الهامة والضرورية وقد حصلت مؤخرا عديد الطعون في هذا القانون.
وقال وزير التنمية والاستثمار: ” لذلك إن أردنا أن يكون مشروع المصالحة ناجحا فمن الضروري أن يكون هناك قانون واضح …ويجب أن يدرك الجميع أن تونس تحتاج إلى وضع اليد في اليد من أجل مرحلة قادمة ناجحة”.

موقف راشد الغنوشي

أما رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فقد قال في برنامج “ستويو شمس” إن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي قدمه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي غير مرفوض مبدئيا لكنه يحتاج إلى تعديلات.
وأضاف “ندعم الفكرة وفي تفاصيلها نظر سنقوم به مع شركائنا في الحكومة والبرلمان من أجل وضع مشروع المصالحة في إطار لا يتنافى ولا يتداخل مع مشروع العدالة الانتقالية”.
وشدد ضيف شمس أف أم على أن المحاسبة هي الخطوة الأولى للمصالحة، مصرحا في هذا الصدد “نعم لازم المحاسبة وما فماش افلات من العقاب لكن ليس بروح الانتقام والتشفي والثأر”.

الكتلة الرافضة

وفي المقابل فإن كتلة رفض مشروع قانون المصالحة الاقتصادية تتصدرها من الأحزاب الجبهة الشعبية المعارضة الرافضة لمشروع القانون المصالحة حيث دعت إلى التعبئة من أجل إفشاله. واستنكرت في بيان صادر عنها “إصرار الائتلاف الحاكم على تمرير مشروع قانون يلقى معارضة واسعة ينسف مسار العدالة الانتقالية المنصوص عليها في الدستور ويتجاهل المساءلة والمحاسبة قبل الحديث عن أية مصالحة”. ومع الجبهة نجد أحزاب حركة “الشعب” وحزب “المؤتمر” وغيرهم. ولكن بخاصة منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية والشبابية…

أما على المستوى الدولي فقد طالبت منظمة الشفافية الدولية “ترانسبارنسي” برفض المشروع في صيغته الحالية بدعوى أنه “سيؤدي إلى تبييض الفاسدين ووقف الملاحقات القضائية ومحاكمات المسؤولين السابقين ورجال الأعمال المتورطين في الفساد”.
وأضافت المنظمة في بيان لفرعها بتونس “إن المشروع لا ينص بوضوح على كيفية التصريح بالمبالغ المنهوبة ولا يتضمن أيّ فصل يُجبر المتورّطين في الفساد على الإفصاح عن أتباعهم أو المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى الذين ساعدوهم على اختلاس الأموال وبذلك سيمكّن الفاسدين من الإفلات من العدالة”.
“غير أن الرئيس التونسي باجي قائد السبسي يبرر طرح هذا المشروع بضرورة الاسراع بمسار العدالة الانتقالية وإزالة العوائق أمام الاستثمار واسترجاع مبالغ تونسية كبيرة مجمدة في البنوك الأوروبية وتشجيع المستثمرين وبينهم المتوّرطون في قضايا فساد، شرط الاعتذار للشعب والعمل بشكل قانوني”
و”يذكر أن الكثير من رجال الأعمال ممن دارت حولهم شبهات الفساد يقبعون في السجن دون أن توجه لهم أي تهم ولم تتم مقاضاتهم حتى اليوم. كما أن هناك فئة أخرى من رجال الأعمال يوجدون في وضع شاذ إذ يُمنعون من مغادرة تونس”.

الجدل الإيجابي

تونس تعيش اليوم جدلا إيجابيا في كل الأحوال. يدخل طبقاتها السياسية مرحلة ناضجة في الصراع حول المواضيع الاجتماعية الاقتصادية. ويبدو أن خصوم الأمس أصبحوا حلفاء اليوم. كما أن حلفاء الأمس أصبحوا خصوما اليوم. كل ذلك لأن الصراع دخل إلى حلبته الحقيقية وخرج من الحلبة المزيفة التي استنزفت كثيرا من التونسيين وهي اليوم تستنزف بلدانا عربيا كثيرة لم تدخل عصر الحداثة السياسية مثل تونس.
والثورة التونسية التي رفعت شعارا إنسانيا خالدا “شغل، حرية، كرامة وطنية” تبتعد اليوم عن جانبها الاجتماعي عبر الأحزاب التي نجحت وأدارت البلاد سواء “الترويكا” أو الرباعي. سيطرح كثير من التونسيين سؤال ولماذا ثرنا إذن؟ وتسببنا في انتقال العدوى إلى بلدان عربية كثيرة أصبحت مرتعا للفوضى والدم اليوم بسبب دخول الدوائر الاستعمارية فيها على الخط.

فكروا لمصلحتكم الحقيقية

رجال الأعمال في تونس عليهم التفكير أن ثرواتهم لم يرثوها من أقرباء لهم في الصين أو كوريا وإنما جمعوها في تونس. و”الثورة التونسية” لم تؤمم ممتلكاتهم كما فعلت ثورات اجتماعية أخرى. وللأسف تونس لم تطبق إلى حد اليوم الديموقراطية الاجتماعية مثل بلدان أوروبا الغربية حيث يتم إعادة توزيع الثروة عبر دولة الرعاية الاجتماعية وبالتالي عبر الجباية العادلة. إن عدم دفعهم الأموال اللازمة لتمويل الدولة التونسية أولا ودولة الرعاية الاجتماعية ثانيا سيوتر الحالة الاجتماعية أكثر في ظل “الحمى الثورية” السائدة. فعليهم اتباع مصالحهم بعيدة المدى مثلما فعل نظرائهم في أوروبا منذ عقود طويلة من الزمن. إن السلم الاجتماعي يمكن شراؤه عبر إعادة توزيع الثروة عبر منظومة جبائية تصاعدية عادلة.

مقال جريدة الشعب ليوم الخميس 10 سبتمبر 2015



عن التقدمية


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*


*